سيقال ويكتب الكثير إقليمياً ودولياً عن المفاجأة الكبيرة التي أسفرت عنها الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية بفوز المرشح، الذي كان يبدو للكثيرين هو الأقل حظاً، المحافظ محمود أحمدي نجاد والذي يأتي وصوله إلى منصب الرئاسة على حساب الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. ووجه المفاجأة أن هذا الرجل ليس صاحب مشروع سياسي معروف إلى حد الآن، هذا على رغم ما يقال عن ماضيه العسكري الثوري، وعن اتساع قاعدة مناصري أطروحاته الشعبوية المحافظة، التي بلغت مداها قبل اقتراع يوم الجمعة الماضي بقليل حين راح يتحدث عن توزيع الثروة، مدغدغاً مشاعر الفئات الأكثر حرماناً من الإيرانيين. كما تحدث عن حقوق الإنسان، والأقليات، والعلاقات الممتازة مع الجيران العرب! إلى آخر ما هنالك مما سمعناه في الحملة الانتخابية الإيرانية الأخيرة.
وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، في حد ذاتها، وما إذا كان في مقدور هذه النتيجة أصلاً، على رغم ما فيها من مفاجأة، أن تأتي بجديد في السياسة الإيرانية، في أدائها الإقليمي أو الدولي، فإن أي مراقب للشأن الإيراني يعرف سلفاً أن رئيس الجمهورية لا يحكم، ولا يستطيع التحرك خارج الدور المرسوم له. ووفق طبيعة النظام السياسي القائم هناك، فإن المرشد الأعلى، أي السيد "الولي الفقيه" هو المرجع الأول والأخير، في كل شيء. أما توزيع السلطات والاختصاصات والأدوار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد ذلك، فـ"كمَّالة عدد"، كما يقال. فمنصب الرئيس إذن إضافة إلى طيف آخر واسع من الأسماء والأجهزة والجهات الثورية، المحافظة منها والإصلاحية، وما بين هذه وتلك، يبقى في النهاية مجرد تنويعات داخل إطار إرادة واحدة هي إرادة الولي الفقيه، وبلا منازع.
ولا شك أن قوى دولية كدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية تقف الآن في حالات من الحذر والتوجس من توجهات الرئيس الإيراني الجديد، بعدما تبددت آمالها في عودة رفسنجاني إلى السلطة، خاصة أنها راهنت عليه كثيراً، إن لم يكن رسمياً فعلى الأقل إعلامياً، وربما من خلال اتصالات دبلوماسية من تحت الطاولة، وقد انتظرت هذه القوى رفسنجاني كثيراً لحلحلة الملف النووي الإيراني، ولإقالة عثرة المشروع الإصلاحي الذي وصل إلى حالة احتقان كاملة مع نهاية فترة ولاية الرئيس السابق محمد خاتمي الثانية. هذا إضافة إلى أن القوى العظمى تعرف رفسنجاني بالقدر الكافي، وتستطيع توقع توجهه في اتخاذ القرار، ولذا طال انتظارها له كثيرا ولكنه لم يصل في النهاية. أما الرئيس المنتخب محمود أحمدي نجاد، فكل ما هو معروف عنه غربياً قليل، باستثناء أنه عمدة طهران وأنه محافظ، وذو توجه راديكالي، ثوري، بشكل واضح. ومن هنا يتوقع كثيرون في الغرب، أن المسافة من الآن إلى المواجهة مع إيران، ربما تكون أقرب مما يتصوره كثيرون.
ومع أن الإيرانيين أدرى بمصالحهم، وأحرار في اختيار من يمثلهم، إلا أن ما نستطيع قوله بوضوح لا لبس فيه هو أن هذه المنطقة من العالم ليست في حاجة إلى مزيد تطرف، ولا إلى سبب آخر من أسباب التوتر مع أطراف إقليمية أو دولية عظمى. فهذا الجزء من العالم لا تنقصه الصراعات، ويكفيه ما فيه من الجبهات المشتعلة، وبؤر التوتر، والنزيف الدامي اليومي. وما نحتاجه جميعاً، إقليمياً ودولياً، هو الحكمة في التصرف، وتوخي الحذر قبل إطلاق الأحكام والتصنيفات، وقبل كل شيء احترام الآخر، القريب قبل البعيد، والاحتكام إلى قيم الحق والعدل والإنصاف في التعامل. وعموماً الأيام قادمة فدعونا ننتظر...