ثمة ثلاثة أحداث مهمة وكبيرة, هي التي تعكس تنامي دور الجالية المسلمة في فرنسا, التي يقدر تعدادها بما يتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين نسمة. فبالنسبة للمتعلمين والمثقفين الفرنسيين, لعل انتخاب آسيا جبار, الكاتبة الأدبية المسلمة, الجزائرية الأصل، لعضوية "الأكاديمية الفرنسية", التي تعد أرفع هيئة أدبية في فرنسا على الإطلاق, هو الحدث الأكثر لفتاً للأنظار, لا سيما وأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تشريف كاتب من شمال إفريقيا بهذا المنصب الرفيع. وتعد هذه الأكاديمية التي أنشأها الكاردينال ريشيليو في عام 1635, الجهة الرئيسية الراعية للغة الفرنسية وآدابها. ويتحدد دورها الأساسي, بوضع المعايير القياسية لقواعد اللغة الفرنسية وذخيرتها المعجمية, عبر وضع قاموس لغوي قياسي للغة الفرنسية, صدرت منه حتى الآن تسعة إصدارات. ويا له من امتياز لغوي ثقافي رفيع, أن تدعى كاتبة من أصول عربية مسلمة, للانضمام والمشاركة في أعز ما يفخر به الفرنسيون تجاه ثقافتهم القومية!
ولكن وجه السخرية أن السيدة جبار, التي تضطلع حالياً بتدريس اللغة الفرنسية وآدابها في جامعة نيويورك, ربما كانت ذات شهرة أوسع في الولايات المتحدة الأميركية, أكثر مما تتمتع به في موطنها فرنسا. فهي مؤلفة للعديد من الروايات والمسرحيات والمقالات, كتبت جميعها باللغة الفرنسية, إلا أنها ترجمت إلى نحو 20 لغة مختلفة من لغات العالم. ولذلك فإن انتخابها لعضوية تلك الأكاديمية الفرنسية الرفيعة, لا يعد تشريفاً لكتاباتها هي فحسب, وإنما هو تشريف لمجمل ما يعتز الفرنسيون بتسميته بـ"الفرانكفونية"، أي لكافة المجتمعات الناطقة باللغة الفرنسية, والمتأدبة بآدابها وثقافتها.
وكانت آسيا جبار, أول مواطنة جزائرية يسمح لها بالالتحاق بالمدرسة الفرنسية "المدرسة النظامية العليا" التي يصعب دخولها على الكثيرين من أبناء المواطنين الفرنسيين, حيث درست التاريخ هناك. وفي عام 1958, حيث كان عمرها 22 عاماً, نشرت آسيا جبار, أولى رواياتها بعنوان "الظمأ". وكثيراً ما تؤكد السيدة آسيا جبار على الدور الوطني الطليعي, الذي قامت به النساء الجزائريات في الكفاح من أجل نيل استقلال بلادهن من نير الاستعمار الفرنسي, خلال معظم ما كتبت من مقالات, وما أجري معها من لقاءات ومقابلات صحفية. وفي لقاء أجري معها مؤخراً, قالت الكاتبة إن النساء لا يكتبن في دول المغرب العربي, وإنما يقمن بأعمال التطريز والحياكة ونقش الوشم على أجسادهن, إلى جانب غزلهن للسجاد. وفيما لو فكرت إحداهن بجدية في الكتابة –رغم كل شيء- فإنه عادة ما ينظر المجتمع إليها, كما لو كانت امرأة مطعون في أخلاقها وفضيلتها!
أما الحدث الثاني المهم في إبراز تنامي دور الجالية المسلمة في فرنسا, فيتمثل في انتخاب أعضاء "المجلس الإسلامي" البالغ عددهم 43 عضواً, في التاسع عشر من شهر يونيو الجاري. يذكر أن "المجلس الإسلامي" كان قد أنشئ قبل عامين, لمباشرة وتنسيق العلاقات بين الجالية المسلمة والسلطات الفرنسية. وكان اختيار أعضاء المجلس عن طريق الاقتراع والانتخاب الحر, قد لفت الكثير من الأنظار وحظي بما يليق به من اهتمام. وشاركت في عملية الانتخاب هذه, نسبة 85 في المئة من جملة 5.200 ناخب, يمثلون 1.300 مسجد تنتشر في 25 ضاحية وقاعدة انتخابية إقليمية في فرنسا. وقد شهدت هذه الانتخابات إقبالاً كبيراً وتنافساً حامياً بين مختلف التيارات الدينية والسياسية والآيديولوجية التي مثلها الناخبون والمرشحون.
والآن فإن هناك حضوراً كثيفاً وملحوظاً, لثلاثة كيانات دينية بارزة في فرنسا هي: "اتحاد المسجد الكبير", الذي يسود الاعتقاد بخضوعه لنفوذ جزائري ملحوظ. وهناك "الاتحاد الوطني للمسلمين الفرنسيين" الذي يعتقد أنه يقع تحت السيطرة المغربية. وثالثاً وأخيراً "الاتحاد المحافظ للمنظمات الإسلامية الفرنسية" وهو الذي يعتقد أن له علاقة بتنظيم جماعة "الإخوان المسلمين". وإلى جانب هذه الكيانات الدينية الرئيسية, هناك تنظيم خاص يمثل المسلمين الأتراك في فرنسا, وقد اتخذ موقفاً انتخابياً موالياً ومؤيداً لـ"اتحاد المسجد الكبير".
وبما أن غالبية المسلمين الفرنسيين ينحدرون من أصول مغربية, فإنه لم يكن هناك ما يثير العجب من أن يفوز "الاتحاد الوطني للمسلمين الفرنسيين" بتسعة عشر مقعداً في الانتخابات الأخيرة –قافزاً إلى ذلك الرقم من 16 مقعداً في الانتخابات التي جرت قبل عامين-. ثم تلاه "اتحاد المسجد الكبير" الذي فاز بعشرة مقاعد – من أصل 6 مقاعد في الانتخابات السابقة- كما فاز "الاتحاد المحافظ للمنظمات الإسلامية الفرنسية" هو الآخر بعشرة مقاعد في الانتخابات الأخيرة – هابطاً هذه المرة من أصل 14 مقعداً فاز بها في الانتخابات السابقة-. إلى ذلك وزعت الأربعة مقاعد المتبقية بين الكيانات والتنظيمات الإسلامية الأصغر حجماً ونفوذاً. وكما كشفت المعركة الانتخابية الأخيرة, فقد كان التنافس الرئيسي فيها بين المسلمين من أصل مغربي, وإخوتهم من أصل جزائري. كما بينت الانتخابات التدخ