في مطلع الشهر السادس من هذا العام حدثت هذه القصة الواقعية. الحمد لله لقد تخرج الولد من الثانوية العامة، هكذا قال أحد الآباء لزميله الذي رد مستغرباً, لكن امتحانات الثانوية العامة مازالت مستمرة، فكيف تخرج ولدك؟. علق الزميل على قول صاحبه: الثانوية العامة لمدارس الحكومة مازالت مستمرة أما المدارس الخاصة فهي تحتفل بتخريج دفعاتها. ومن يشرف على هذه الامتحانات التي تجري في المدارس الخاصة؟ المدارس نفسها. وكيف نضمن عدم تدخلها وتلاعبها في الدرجات؟ نحن نثق بالإدارات في المدارس الخاصة. ولماذا لا نثق بإدارات المدارس الحكومية إذا كانت المسألة مرتبطة بالثقة؟ لا أدري، لكن هذا هو الواقع، المدارس الخاصة لها نظام ومدارس الحكومة لها أنظمتها الخاصة. ختم الصاحب هذا النقاش الطويل بقوله: تقصد أنه من يدفع رسوما مقابل تعليم أولاده لا ينال من جحيم الثانوية أمراً، ومن يكون تعليم أولاده في مدارس الحكومة يصطلي بهذه النار. رد الصديق: أنا لم أقل هذا لكنني سأزيد لك الطين بلة، إن فرص أولادنا في الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي هي أفضل من فرص أولادكم.
أحسب أن هذه القصة تثير العديد من التساؤلات الجوهرية في التربية والتعليم في دولة الإمارات، وهي بحاجة ماسة إلى إجابات من إخواننا المسؤولين عن النظام التربوي في الدولة، وبالذات أن وزارة التربية والتعليم اليوم تمر بمرحلة مخاض طال انتظاره، كي تهل علينا بوجهها الجديد الذي ينتظره الناس كما ينتظر الأهل إعلان ولادة جديدة تضاف إلى كوكب الأرض، ولا يدري الإنسان هل هذا المولود سيكون علامة سعادة في الأرض أم أنه سر شقاء.
من أهم الأسئلة التي دارت في الحوار السابق هي مسألة الجودة. فإذا كانت الامتحانات تعد وتقدم وتقيم داخل المدرسة الخاصة غير الربحية كما تعلن هذه المدارس فما الذي يمنعها من تعديل التقويم كي يسعد الأهل والأولاد في نهاية المطاف؟ ربما هناك إدارات جديرة بالثقة في بعض المدارس لكن هذه العبارة الفضفاضة لا تنطبق على كل المدارس، الحل في تصوري يكمن في إيجاد نوع من الامتحانات المركزية لبعض المواد الأساسية، يكون مركزها مستقلا عن هذه المدارس ويتقدم لها الطالب متى ما اعتقد أنه جاهز لها, على غرار الامتحانات الأميركية "سات", وبهذا ستكون هذه الامتحانات مصدر قوة للمدارس الجيدة وعلامة خطر للمدارس دون المستوى، وفي نهاية العام الدراسي يصدر تقرير من هذه الجهة المشرفة حول أداء التلاميذ في هذه الامتحانات، وعندها فقط سنتمكن من المقارنة بين المدارس المختلفة وستكون لنظامنا التعليمي المصداقية المطلوبة التي تضمن الجودة.
ومن العدالة أن تعدل الثانوية العامة الحكومية كي تتناسب مع التعديلات المطلوبة في المدارس الخاصة, فليس من العدل أن يختبر طلبة المدارس الحكومية في ما يزيد على العشر مواد ويمتحن غيرهم في عدد أقل. ففي تصوري الخاص أن امتحان الثانوية العامة لا ينبغي أن يكون اختباراً للمعرفة الموجودة في كل مقررات الثانوية العامة, بل ينبغي أن يكون مقياسا للمعارف والخبرات المتراكمة لدى المتعلم بشرط اجتيازه للاختبارات التي تجري لمواد الصف الثاني عشر على مستوى المدرسة أو المنطقة التعليمية. بلغة أخرى يتقدم الطالب لامتحانات المواد التي يدرسها في الثانوية العامة كأي سنة تعليمية سابقة، لها معدلاتها التراكمية من أعمال الطلبة خلال السنة الدراسية، وفور جاهزيته للامتحانات المركزية في بعض المواد الأساسية التي تحددها الوزارة يتقدم لها متى ما شاء خلال العام الدراسي، وتكون هذه الامتحانات من النوع الذي يقيم بالحاسب الآلي دون تدخل البشر، وبهذا لن تكون لدينا لجان مرهقة للإشراف والتقويم للثانوية العامة ولن تكون لدينا حمى ومرض اسمه الثانوية العامة، وهكذا نضمن الجودة والعدالة.