هذا هو السؤال الذي أفردت له مجموعة من المؤلفين والمحللين الأميركيين مساحة هذا الكتاب, في محاولة لتقديم إجابات محددة عليه, تصلح لتبنيها كسياسات عملية في تنفيذ خطة "خريطة الطريق". ومن رأي هذه المجموعة أن الدراسة التحليلية العملية المفصلة للكيفية التي يمكن أن تنجح بها الدولة الفلسطينية المستقلة, تعد واجباً تخطيطياً ملحاً ولا غنى عنه, إن كان لهذه الدولة أن ترى النور, وتحقق ما هو مرجو لها من نجاح. وكما نعلم فإن أطراف "الرباعية الدولية" لا تزال جميعها على التزامها بما أعلنته من خطة "خريطة الطريق" المزمع بموجبها, الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة, خلال عام 2009 المقبل. ومع نشر هذا الكتاب, فقد انفتحت فرص ونوافذ جديدة للمضي قدماً في تنفيذ خطة السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. لكن وعلى رغم هذه الفرص, إلا أن شواهد التاريخ القريبة في مضمار بناء الأمم والشعوب, أثبتت أن مثل هذه الجهود كثيراً ما تؤول إلى الفشل.
ولهذا السبب, فقد كرس هذا الكتاب, لدراسة تفاصيل الكيفية التي تتم بها إعادة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية, على الرغم من الإقرار بصعوبة وتعقيد هذه العملية, حتى في ظل الظروف المثالية التي تتاح لها. ولذلك تضطلع هذه الدراسة بتناول مختلف الخيارات الممكنة لزيادة فرص نجاح الدولة الفلسطينية المرتقبة. يلاحظ أن الدراسة لم تقحم نفسها في تقديم أي تصورات أو اقتراحات بصدد الكيفية التي يتبناها طرفا النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني, والأطراف الوسيطة العربية والإقليمية والدولية, بغية إبرام صفقة سلام فيما بينهما. بل اهتمت الدراسة بالجانب الذي يمكن كافة الأطراف المعنية, من إنجاح الدولة الفلسطينية المستقلة, إثر الإعلان عن قيامها.
ولا يعني هذا بالطبع أن إبرام صفقة سلام بين الجانبين, سيعقبها مباشرة ردم الهوة النفسية العميقة بين الطرفين, ومنها انعدام الثقة والوساوس والشكوك المخيمة عليهما. بل الصحيح أن هناك من العناصر والفصائل والتيارات السياسية والعسكرية الإسرائيلية والفلسطينية معاً, ما يتوقع لها أن تقف حجر عثرة أمام إبرام أي تسوية أو صفقة سلام, ومن ثم تسعى لتقويض الدولة الفلسطينية التي سيعلن عنها, بأي ثمن كان. ومن هنا تبرز أهمية مثل هذه الدراسة. وغني عن القول إن النجاح إنما يتطلب قدراً كبيراً من التخطيط الدقيق, فضلاً عن حاجته إلى الموارد والإمكانيات, والعزم والتدخل البناء من قبل الأسرة الدولية, إلى جانب ما يتطلبه من شجاعة والتزام وعمل جاد ومضن, من جانب الفلسطينيين والإسرائيليين معاً.
فما هو السبيل إلى نجاح الدولة الفلسطينية إذن؟ للإجابة على هذا السؤال, فإن هناك جملة من الأساسيات الواجب توفرها في هذه الدولة المزمع قيامها. وتتلخص هذه الأساسيات أولاً في المؤسسات والهياكل التي سوف تحكم هذه الدولة, والعمليات التي ستؤمن لها سبل الأمن والاستقرار. كما عنيت الدراسة بوصف وتحليل الموارد البشرية والاقتصادية والبيئية والسياسية التي يمكن أن تعتمد عليها هذه الدولة. ليس ذلك فحسب, بل اهتمت الدراسة أيضاً بدراسة العوامل التي من شأنها الحيلولة دون التوظيف والاستخدام الأمثل للموارد المذكورة. وأخيراً, فقد كان لزاماًَ على الدراسة أن تحدد ما ينبغي على الدولة الفلسطينية المستقلة القيام به, حتى تضمن لمواطنيها الأمن والاطمئنان وتوفر خدمات الرعاية الصحية والخدمات الأساسية من صحة وتعليم ووسائل حياة.
ومن مزايا هذه الدراسة, أنها استخدمت في كل واحد من المجالات المذكورة, أفضل المعلومات والبيانات الفعلية المتوفرة, لوصف متطلبات النجاح في كل واحد منها, وكذلك في وصف التداعيات والعواقب المترتبة على اتخاذ أي واحد من الخيارات المتاحة, فضلاً عن أفضل السياسات والاستراتيجيات التي يمكن تبنيها في كل مجال من المجالات موضوع البحث والدراسة. كما تضمنت الدراسة أيضاً تقديرات أولية بالتكلفة المتوقعة لتنفيذ التوصيات التي توصلت إليها الدراسة, خلال العقد الأول من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. كما اختلف المنهج المتبع في كل باب من أبواب الدراسة, وفقاًَ لاختلاف وتباين الأسئلة التحليلية التي يثيرها الباب المعين, وتوفر المعلومات الدقيقة عنه. وقد تكفل كل باب من الأبواب, بشرح منهجه وأسلوبه في التناول, إلى جانب تحديد وتبيان القيود وعناصر الشك واللايقين, فيما يقدم من إجابات على الأسئلة التحليلية المثارة.
ولما كان الاهتمام الأول للدراسة كلها, هو نجاح الدولة الفلسطينية المزمع الإعلان عنها, فإن من الأولى تحديد مفهوم النجاح نفسه, وتعريف ماهيته. من وجهة نظر المؤلفين, فإن نجاح الدولة الفلسطينية, إنما يعني عدة عوامل أهمها: استقلال الدولة الفلسطينية وديمقراطيتها وفاعلية جهاز الحكم فيها وخضوعها لمبادئ العدالة وحكم القانون, بما يمكن الحكومة الفلسطينية من القيام بواجبها في مجال التنمية الاقتصادية, وتوفير السكن والغذاء والتعليم وخدمات الرعاية الصحية المناسبة, إلى جانب توفير بقية الخدمات العامة لمواطنيها. ولك