الذي يزور أسواق الأسهم المحلية يوم الخميس يلحظ وجوهاً جديدة لا تتكرر إلا خلال هذا اليوم من كل أسبوع، وهو اليوم الذي يمثل إجازة أسبوعية لموظفي الوزارات والدوائر الحكومية، ما يسهّل كثيرا من التعرف إلى هوية هذه الشريحة من الزوّار الموسميين، أو كما يطلق عليهم البعض "زوّار الخميس". وهناك شريحة أخرى من الموظفين مولعة هي الأخرى بأسواق الأسهم، ولكنها لا تكتفي فقط بزيارة الخميس، بل "تستقطع" بعضا من ساعات عملها الرسمية لتأتي وتجرّب حظها في الأسهم، كما أن هناك شريحة ثالثة من الموظفين تتابع أسواق الأسهم "عن بعد" عبر الهاتف، وتجهد نفسها كثيرا في البحث عن مؤشرات مالية للشركات في "الإنترنت"، قد تكون مضللة أكثر من كونها ذات قيمة. إن الاستثمار في الأسهم يبدو لهذه الشرائح هواية أكثر من كونه استثمارا حقيقيا، كما يبدو مجازفة أكثر من كونه عملا مؤسسا على حقائق ومعطيات واقعية، حيث إن سوق الأسهم لا يحتمل متابعة موسمية، بل يتطلب جهدا مضنيا وتحليلا عميقا لمعطيات السوق أولا بأول.
والواضح أن هذه الشرائح من صغار المستثمرين تمارس سياسة "الغطس"، ولكنها قصيرة النفس، وتسارع إلى جني الأرباح حالما تحقق أي ارتفاع مهمّ في أسعار الشركات المدرجة، وبالتالي فإن قراراتهم تبنى على أساس المضاربات بالدرجة الأولى وليس الاستثمار أو حتى المتاجرة في الأسهم بمفهومها الصحيح. إن وجود هذه الشرائح من المستثمرين في أسواق الأسهم المحلية يفتح ملفا مهمّا يتعلّق بضعف وتباين الوعي الاستثماري للمتعاملين. إن التراجع الكبير الذي شهدته أسواق الأسهم الشهر الماضي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الشائعات والعواطف تلعب دورا حاسما في تحديد توجّهات شريحة كبيرة من المتعاملين. والذي تتاح له فرصة النقاش مع المتعاملين في قاعات التداول يلحظ بوضوح التباين الكبير في مستويات الوعي الاستثماري المرتبط بأبسط القواعد والأسس الصحيحة في الاستثمار، خاصة لدى الهواة وصغار المتداولين من "الموظفين" وذوي الدخل المحدود الذين أصبحت قرارات التداول لديهم اجتهادية وعاطفية أكثر من كونها علمية وواقعية، بل وإن كانت هناك استشارات فهي لا تتجاوز في كثير من الحالات الوضع الراهن للأسعار ومتغيّرات السوق. هذا الواقع يفرض حاجة ملحّة للارتقاء بمستوى الوعي الاستثماري، ليس فقط في أسواق الأسهم، بل وفي جميع مجالات الاستثمار الأخرى، حتى يكون الاستثمار دعامة حقيقية للاقتصاد الوطني، انطلاقاً من أن ضعف الوعي الاستثماري لدى شريحة كبيرة من المستثمرين المواطنين يؤدي إلى ثغرة كبيرة في سوق الأسهم، بل ويمكن أن يمثل منفذا خطيرا لتبديد رأس المال الوطني، خاصة مع وجود متعاملين أجانب في هذا السوق على مستوى عالٍ من الوعي والخبرة. كما أن وجود وعي بالأساليب السليمة للاستثمار في الأسهم يمثل ركنا أساسيا لنجاح السوق نفسه، ويعزز من ثقة المستثمر الأجنبي بالبيئة الاستثمارية المحلية بصفة عامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية