من الصعب تحديد البدايات الأولى للطب الاتصالي، وإن كان يحلو للبعض أن يردها إلى قرون مضت، وبالتحديد عندما كانت بعض القبائل الأفريقية تستخدم إشارات الدخان، إما لطلب المساعدة عندما يحل بها وباء من المرض، أو لتحذير الآخرين بعدم الاقتراب أثناء تلك الأوقات. وفي العصور الحديثة، تعتبر أستراليا هي مهد الطب الاتصالي في مفهومه الحالي. فسكان المناطق النائية في قارة أستراليا الشاسعة، كانوا يستخدمون أجهزة الراديو الكلاسيكية، لطلب المشورة والمعونة عندما يحل المصاب بأحدهم. في هذا السيناريو كان سكان القرى النائية، يصفون للأطباء عبر الراديو أعراض وعلامات المرض الظاهرة على المريض الموجود بين يديهم، وساعتها يقوم الأطباء بتشخيص المرض ووصف العلاج اللازم له. وبما أن القرويين البسطاء لم يكن في وسعهم دائما وصف الأعراض والعلامات بشكل دقيق، أو توفير العلاج الضروري وخصوصا ما إذا كان الأمر يتطلب التدخل الجراحي، نشأ في أستراليا ما يعرف بالأطباء الطائرين (Royal Flying Doctor Service of Australia). هذه الخدمة كانت ببساطة نوعا من الإسعاف الطائر، يتم فيه انتقال الطبيب بمعداته إلى المناطق النائية لعلاج المرضى، أو نقل هؤلاء بالطائرة إلى أقرب مستشفى. ورغم هذه البدايات المتواضعة للطب الاتصالي، إلا أن العقود الأخيرة شهدت قفزة هائلة لهذا المجال على صعيد التوفر والكفاءة، بسبب القفزة الهائلة التي شهدتها تكنولوجيا الاتصالات خلال نفس الفترة الزمنية.
وحاليا يوجد نوعان أساسيان من الطب الاتصالي، النوع المباشر والنوع غير المباشر. ويمكن تشبيه هذين النوعين ببث الأقمار الاصطناعية للأحداث العالمية أو الرياضية، إما مباشرة وقت وقوع الحدث، أو مسجلة ومذاعة في أوقات أخرى. في النوع الأول يتم الاتصال بين المريض والطبيب من خلال الفيديو (Videoconference)، أو أحيانا من خلال التليفون فقط. هذا النوع من الطب الاتصالي، رغم عدم وجود الطبيب والمريض في نفس المكان، إلا أنه يتطلب وجودهمة في نفس الزمان. وينتشر استخدام هذا النوع في المناطق النائية في العالم الغربي، حيث كثيرا ما أصبح يوجد مركز للاتصال عبر الفيديو في القرى والمجتمعات الصغيرة، على اتصال مباشر ومن خلال حزمة سريعة (high bandwidth)، بأقرب مستشفى أو مركز طوارئ. وحتى في بعض المدن الكبيرة، كما هو الحال في دولة الإمارات وبعض دول الخليج، تتواجد مثل هذه المراكز لتوفير الاستشارات الطبية في مجالات الأمراض النادرة، من قبل الأطباء المتخصصين حول العالم. أما النوع الثاني من الطب الاتصالي، أو النوع غير المباشر، فيعتمد على التخزين الرقمي أولا، ومن ثم الإرسال لاحقا عبر شبكات المعلومات. هذا النوع ينتشر استخدامه في تشخيص الأمراض من خلال صور الأشعة الطبية. حيث يتم تحويل فيلم الأشعة إلى صورة رقمية، تخزن في الكمبيوتر، لتنقل لاحقا عبر شبكات المعلومات إلى قسم أشعة متخصص للتشخيص. ويستخدم هذا الأسلوب مع كل من الأشعة العادية، والأشعة المقطعية، والرنين المغناطيسي، والأشعة المتخصصة باستخدام الصبغة، وأحيانا حتى مع الفحص بالموجات فوق الصوتية. وتتميز هذه التقنية بعدم الحاجة إلى حزمة معلوماتية سريعة للاتصال، وهي التقنية التي قد لا تكون متاحة دائما، في المناطق النائية التي تنعدم فيها وسائل الاتصال الحديثة أحيانا. كما أنها لا تتطلب وجود المريض والطبيب في نفس الزمان، وهو الضروري أحيانا في ظل اختلاف التوقيت الزمني بين الدول والقارات، وإن كان يعيب هذه التقنية عدم جدواها في حالات الطوارئ أو الإصابات الخطيرة.
ورغم أن تخصص الأشعة بأشكالها يعتبر المجال الأكثر استخداما للطب الاتصالي، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت توسعا في التطبيقات من قبل مجالات أخرى متعددة، مثل الأمراض النفسية، وأمراض العيون، وأمراض الأنف والأذن، وأمراض الجلدية، وحتى تخصص الباثولوجيا أو علم الأمراض. في هذا التخصص الأخير، يتم إرسال صور شرائح عينات الأنسجة (Pathology Slides)، المستخدمة غالبا لتشخيص ما إذا كان الورم المصاب به المريض هو من النوع الحميد أو النوع الخبيث. المجال الآخر الذي يتوقع له أن يشهد استخداما متزايدا لتكنولوجيات الطب الاتصالي بأشكالها المتعددة والمختلفة، هو توفير الرعاية الصحية المنزلية. ففي المجتمعات الغربية على وجه الخصوص، يزداد متوسط عمر الأفراد بشكل مطرد، فيما يعرف بشيخوخة المجتمعات. هؤلاء المسنون يعيشون غالبا في وحدة وعزلة، نتيجة تفكك الأسرة الغربية، وانخفاض معدلات الخصوبة في تلك المجتمعات. وهذا الواقع الديموغرافي، أصبح يشكل عبئا على ميزانيات الرعاية الصحية في تلك الدول، جراء الحاجة الدائمة إلى بقاء المسنين في المستشفيات لمراقبة حالتهم الصحية، أو توفير رعاية طبية دائمة لهم. لذا يرى البعض أن حل هذه المعضلة، يكمن في التوسع في توفير خدمات الرعاية الصحية في المنازل. وهو ما من شأنه أن يخفض النفقات، وأن يوفر جواً مألوفاً للمرضى يساعدهم على سرعة الشفاء. ويتوقع أن يلعب الطب الاتصالي دورا