الهاجس الأمني ومستقبل الطاقة النووية
إن إحدى النتائج الجانبية للحوار الدائر حول البرامج النووية الإيرانية, والهواجس الأميركية الأمنية البيئية إزاءها, هي الحوار الجانبي البادي الآن, حول مستقبل إنتاج الطاقة الكهربائية النووية. ففي أميركا نفسها, كانت الحادثة الوحيدة التي وقعت في محطة توليد "ثري مايل آيلاند" بولاية بنسلفاننيا عام 1979, قد وضعت حداً لذلك الغرام الأميركي مع الطاقة النووية. ومنذ ذلك التاريخ, لم تشهد أميركا بناء محطة نووية واحدة, على الرغم من أنها لا تزال تعتمد بنسبة 20 في المئة من إجمالي إنتاجها للطاقة الكهربائية, على محطات التوليد النووي. وفي غضون ذلك, فقد ازداد اعتماد الولايات المتحدة على بدائل الطاقة الأخرى, مثل الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي.
يذكر أن كارثة محطة تشرنوبيل النووية التي وقعت بجمهورية أوكرانيا السوفييتية السابقة عام 1986, كانت قد تركت أثراً عميقاً على السياسات الدولية إزاء هذا النوع من أنواع الطاقة, سيما على سياسات بعض الدول الأوروبية. فقد كانت ألمانيا في مقدمة الدول الأوروبية التي أعلنت تخليها عن استخدام الطاقة النووية. فهناك جرى إغلاق 19 محطة نووية, بينما تقرر إغلاق المحطات المتبقية البالغ عددها 17 محطة, بحلول عام 2024. وعلى نقيض ذلك تماماً قررت الجارة الفرنسية, المضي قدماً في التوسع في استخدام وبناء محطات الطاقة النووية. والنتيجة أن أصبحت هذه الطاقة, مكوناً رئيسياً من مكونات ومصادر الطاقة الفرنسية, التي تحتل الطاقة النووية نسبة 80 في المئة فيها. أما في كل من بريطانيا والسويد وإيطاليا, فتجري عملية مراجعة شاملة وواسعة النطاق, لمستقبل الطاقة النووية هناك.
فمن ناحية هناك المؤيدون لاستخدام الطاقة النووية, الذين يرون فيها بديلاً أفضل وصديقاً للبيئة, بالمقارنة إلى مصادر الطاقة الحفرية, التي تفرز غاز ثاني أكسيد الكربون الملوث للهواء, والمرتبط مباشرة بظاهرة الإحماء والتغير المناخي, بكل ما تعنيه الظاهرة من كارثة ماحقة بالبشرية كلها, وبالحياة في كوكب الأرض. كما يقول أنصار الطاقة النووية, إن تكنولوجيا المفاعلات النووية المستخدمة اليوم, قد تطورت كثيراً, وأصبحت أكثر أمناً بما لا يقاس, إلى مفاعلات الأمس. لكن ومن دون التقليل من جدية الخطر الذي تمثله ظاهرة الإحماء الحراري لحياة البشرية, فإنه لا يمكن في الوقت ذاته, التقليل من حجم الخطر الإرهابي الواسع النطاق, الذي تمثله الطاقة النووية لحضارتنا كلها في المقابل, فيما لو وضع الإرهابيون الدوليون يدهم على أسلحة الدمار الشامل, بما فيها المواد النووية, القابلة للاستخدام ضد المدن والتجمعات السكنية الكبيرة.
من هنا فإن من رأي المعارضين للطاقة النووية, أن أي استخدام لها–بصرف النظر عن مدى درجة الحماية الأمنية المتوفرة لمحطاتها وموادها- يظل عرضة لوقوع الحوادث والمخاطر, ويظل سلاحاً محتملاً بيد الإرهابيين, إلى جانب ما نرى من تحويل سري للمواد الانشطارية إلى سلاح نووي, في أكثر من دولة من دول العالم. بعبارة أخرى فإن من رأي هؤلاء المعارضين, أنه كلما انتشر بناء واستخدام محطات إنتاج الطاقة النووية في شتى أنحاء العالم, كلما ازدادت فرص الدول لتطوير الأسلحة النووية, سواء كان ذلك على نحو قانوني أو خلاف ذلك. إلى ذلك يمتد الاعتراض على التوسع في استخدام الطاقة النووية كبديل للطاقة الحفرية, إلى القول إن الجوانب الاقتصادية المتعلقة ببناء وتشغيل المحطات النووية, لا تزال غير مقنعة وتحيط بها الشكوك. ومن رأيهم أن بناء وتشغيل هذه المحطات, لا يزال بحاجة كبيرة إلى الدعم المالي الحكومي. غير أن المخاوف الأمنية, وهواجس استخدام المواد النووية كسلاح للإرهاب وعمليات الدمار الشامل, تظل هي الطاغية. وإذا كان هذا الحوار عن مستقبل الطاقة النووية وسلامة استخدامها, لا يزال في مراحله الأولية, فإن من المتوقع له أن يكتسب عمقاً وأهمية كبيرة خلال الأشهر القليلة المقبلة. ذلك أن المخاوف لا تزال كبيرة ومبررة, من التوسع في انتشار أسلحة الدمار الشامل, وفي مقدمتها السلاح النووي.