يمثل المشاركون في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الوشيكة أوسع طيف من التوجهات السياسية تشهده إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1978- 1979. وكل مرشح من المرشحين الثمانية المشاركين في السباق الانتخابي يقدم نفسه على أنه وحده القادر على التعامل مع الملفات الحساسة التي تواجه إيران بدءا من الإصلاح الديني، ومرورا بالإصلاحات الاجتماعية- الاقتصادية وانتهاء بصلاحيات المرجع الأعلى، وبرنامج الأسلحة النووية.
وقد أثار ظهور الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني مجددا على مسرح السياسة في إيران، مزيجا من القلق والتفاؤل الحذر سواء في إيران أو في الغرب. وإذا ما عرفنا أن رفسنجاني أكثر جسارة من منافسيه فيما يتعلق بتحرير الاقتصاد، وحل النزاع النووي مع الغرب، وتطبيع العلاقات مع واشنطن، وخلفيته الثورية، وحسه البراغماتي فإن ذلك يدعونا للقول إن السيد رفسنجاني ربما يكون أقرب المرشحين للفوز بمنصب الرئيس.
بيد أن ذلك لا يعني أن فوز رفسنجاني أصبح أمرا محتوما لأنه يواجه في الحقيقة منافسة من المرشح "مصطفى معين" الذي يكسب أرضا جديدة كل يوم.
كما أن رفسنجاني الذي ينظر إليه أنصاره وأعداؤه على أنه "حرباء أيديولوجية" سيواجه - إذا ما تم انتخابه- صعوبة في التعامل مع الأغلبية المحافظة في البرلمان الإيراني والتي لا يتعاطف أعضاؤها كثيرا مع مرونته العقائدية.
كما أنه لن يكون قادرا على الاتكاء فقط على سجله كرئيس سابق لإيران من 1989 إلى 1997 لأنه لم يحقق فيه إنجازات تذكر. فبعد أن بدأ حكمه بإجراء إصلاحات اجتماعية اقتصادية محدودة، فشل بعد ذلك في السيطرة على البيروقراطية الإيرانية العتيدة، ولم ينجح في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، كما تدهورت علاقة بلاده بالولايات المتحدة إلى حد قيام الأخيرة بسحب سفيرها من طهران.
وأوضاع إيران والأوضاع الإقليمية تختلف الآن اختلافا بينا عما كانت عليه خلال حقبة التسعينيات، عندما كانت الحركة الإصلاحية أقوى نفوذا، ولم يكن ينظر إلى إيران بعد على أنها أحد أضلاع مثلث الشر. فالتيار الإيراني المحافظ استعاد السيطرة الآن على معظم مراكز النفوذ الحكومي في إيران، كما أن بعض أعضاء إدارة وأعضاء الكونجرس، يدعون إلى إجراء تغيير للنظام في إيران.
لذلك فإن أي رئيس جديد لإيران سيكون مضطرا أولا لنزع فتيل المواجهة بشأن الملف النووي مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين. ويقول الخبراء إن رفسنجاني بكل دهائه وبراغماتيته لن يكون قادرا على إقناع المواطنين الإيرانيين بأن البرنامج النووي ليس في صالح إيران على المدى الطويل، وخصوصا أن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن نسبة تزيد على خمسين في المئة من الإيرانيين تنظر إلى البرنامج النووي على أنه وسيلة لحماية إيران، وإكسابها الهيبة كقوة إقليمية.
على الرغم من أن النظام الإيراني يقوم على أسس دينية، إلا أنه قام في نفس الوقت بوضع آليات المشاركة في عملية صنع القرار. وهذا التناقض هو الذي ضمن بقاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى الآن، كما أنه شكل محورا دائما للسجال الوطني. ورفسنجاني - لو تم انتخابه- قد لا يكون قادرا بالضرورة على حل هذا التناقض داخل النظام الإيراني بل إنه قد يقوم بمفاقمته في الحقيقة.
في نفس الوقت، نجد أن حيرة الإيرانيين بين المشاركة في الانتخابات، وبين مقاطعتها ترجع إلى أنهم يرون أن أياً من قادتهم المحتملين لم يعترف حتى الآن بأن سبب عجز الحكومات السابقة عن إيجاد الحل لمشاكلهم كان يرجع إلى أن تلك الحكومات كانت تدار بواسطة ممثلي الشعب المنتخبين من جانب، وممثلي الله على الأرض من جانب آخر.
هاله وزيري
مديرة الأبحاث الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في
مؤسسة "إنترميديا" وهي منظمة أبحاث إعلامية مستقلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهمن باختياري
مدير الشؤون الدولية في جامعة "مين" الأميركية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"