إن المتابع للشأن العربي خلال فترة الأشهر القليلة الماضية, لا يملك إلا أن يسجل العديد من التطورات المتلاحقة من مشرق عالمنا العربي إلى مغربه... هناك حراك سياسي وهناك مطالب للإصلاح السياسي والاجتماعي.
هناك وصاية واضحة واستئساد لأميركا التي ترفع راية الإصلاحات وألوية التغيير والتطوير حتى لا يبقى العالم العربي حاضناً ومفرخاً للإرهاب وللإرهابيين. ولكن ذلك نصف الحقيقة، إن لم يكن أقل...
هناك لا شك رغبة لدى الشعوب العربية، وأجيال 99.9% من الأصوات، وأجيال الحكم الفردي والرئيس القائد والضرورة، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
ذلك الجيل, أدى بنا إلى حقبة من العقم والجمود العربي وخلف هزائم وانكسارات متكررة. أفقدتنا الثقة بالنفس وحتى الكرامة، ونحن نرى فلسطين تتم استباحتها وسط احتلال وقضم وضم وتجريف وحائط عنصري وسحق للانتفاضة.
نفقد كرامتنا عندما نرى الوصاية "الباكس أميركانا" تطل برأسها اليوم عبر احتلالات، واستباحة لكرامة ومعتقدات أكثر من مليار مسلم عبر تدنيس القرآن الكريم، وعبر الاسترجال وتحويل العرب والمسلمين إلى جماعة من الإرهابيين المتعطشين للدم والقتل والسيارات المفخخة وعبر وصاية جديدة تمارس على شعوبنا.
صدام حسين كرس في عقلية الغرب المثقف وجود مسلمين جيدين صالحين ومسلمين سيئين طغاة مثل صدام وغيره.
بوش في خطاب تنصيبه الرئاسي، كرر عشرات المرات شعار الحرية، ومحاربة الطغاة ...
قوة الدفع الأميركية حققت حراكاً عبرت عنه جماهير الشارع العربي، في مصر عبر حركة كفاية، وفي لبنان عبر حركة 14 آذار (مارس) بعد اغتيال الرئيس الحريري، وفي السعودية عبر انتخابات بلدية، وفي الكويت عبر تمكين المرأة سياسياً في حدث هو الأهم منذ عقود، بمنح المرأة حقوقها السياسية كاملة ترشيحاً واقتراعاً...
والسؤال الكبير هو، إلى أين سيأخذنا هذا الحراك السياسي؟
علينا أن نكون واقعيين ولا نتوقع الكثير. ولنؤجل الاحتفالات بالديمقراطية الكاسحة..فالتغييرات ليست قادمة بالسرعة التي يحلم بها العديدون. فالزعماء لا زالوا على كراسي الحكم.. وأميركا تقيم الدنيا ولا تقعدها، عندما تعتقل شخصيات ليبرالية من أمثال سعد الدين إبراهيم وأيمن نور وتصمت كلياً عندما يعتقل مئات من كوادر الإخوان المسلمين في مصر، أو تجري استفتاءً للتعددية في انتخابات الرئاسية وتوضع شروط مستحيلة للمرشح من خارج السلطة في مصر. و المرأة في الكويت التي منحت حقوقها السياسية وضع الشرط الفضفاض بالالتزام بالضوابط الشرعية. ولبنان الذي أجرى الدورة الأولى من الانتخابات البرلمانية لم يشارك فيها سوى ربع الناخبين. ومن المفارقات أن نصف المرشحين فازوا بالتزكية وسط اتهامات باستبدال الوصاية السورية بوصاية غربية، أميركية ـ فرنسية وسط اتهامات بأنها أقرب للتعيين منها للانتخاب. فما الذي تغير؟
والمرأة في السعودية التي لم تشارك في الانتخابات البلدية والتي سيتم تعيين نصف أعضائها، أقفل مجلس الشورى المعين باب النقاش حول السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
لا شك، أن التغييرات قادمة.. ولكن بسرعتنا العربية البطيئة الخجولة المعتادة. حراكنا السياسي كعرب، يحرك المياه الراكدة... ولكنه أشبه بحجر صغير ألقي في بحر كبير.