رغم قيام بنوك إسلامية في باكستان ومصر في الستينيات من القرن العشرين، أي قبل تأسيس بنك دبي الإسلامي، إلا أنها لم تكن بنوكاً تجارية نظامية، ولكنها كانت أشبه بمؤسسات الادخار التي يمكن النظر إليها كنواة للمصارف الإسلامية. لذا فإن بنك دبي الإسلامي يُعتبر بحق أول بنك إسلامي تجاري منظم في العالم. وقد تم تأسيسه عام 1975 كشركة مساهمة عامة وكان لحكومة دبي حصة في رأسماله، وكان لها دور كبير في تأسيسه ونجاحه. فما من مسلم قوي الإيمان والعقيدة إلا ويحب المصارف الإسلامية ويبارك نموها وتطورها، إلا أن الانتقادات البناءة لتصحيح مسيرة المصارف الإسلامية تجاه أهدافها وغاياتها النبيلة التي قامت من أجلها تبقى ضرورة حتمية ملحة، شريطة أن تؤسس تلك الانتقادات على أسس علمية وشرعية متينة فتصدر من طلبة العلم والاختصاص الثقاة المشهود لهم بغيرتهم على الإسلام، وعلمهم الرصين. أما ما يطالعنا في وسائل الإعلام من حين لآخر من انتقادات سطحية هزيلة وأقوال مغرضة غير مسؤولة حول المصارف الإسلامية فيفترض بجماهير المسلمين ألا تعيره أي اهتمام. والحقيقة أن المتتبع للنشاط المالي والمصرفي الإسلامي يرى أن هذا النشاط قد مر منذ نشأته بثلاث مراحل وهي كالآتي:
1- مرحلة النشأة والتأسيس: وقد بدأت هذه المرحلة منذ بدء التفكير في قيام المصارف الإسلامية حتى نشأتها وممارستها لأعمالها (أي منذ الأربعينيات من القرن العشرين واستمرت حتى منتصف الثمانينيات من القرن ذاته)، واتسمت هذه المرحلة بالحيوية والنشاط والحماس اللامحدود. فقد كان كافة رجال الأعمال وطلبة العلم والباحثين ومن يدعمهم من رجال الدول ذوي النفوذ المهتمين بقضية المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية قد شحذوا هممهم واستجمعوا كافة طاقاتهم من أجل العمل على نجاح تجربة المصارف الإسلامية. فتمكنوا بالفعل من وضع قاعدة نظامية قوية نسبياً من جميع الجوانب الشرعية والمصرفية والنظامية والاقتصادية وكانوا ينظرون إلى البنوك الإسلامية على أنها ليست مجرد بنوك تجارية وإنما هي صاحبة رسالة سماوية في الجانب المصرفي والاقتصادي. وهي تجربة قابلة للتدويل، وهي رحمة للعالمين غايتها القضاء على الربا، وذلك انطلاقاً من الإيمان اليقيني بأن الربا آفة اقتصادية مُدمِّرة. ولقد نجح المؤسسون للمصارف الإسلامية في تثبيت قواعد وأسس النظام المصرفي الإسلامي، وذلك رغم ضعف الطلب على الخدمات المصرفية الإسلامية في ذلك الوقت بسبب ضعف القناعات لدى جماهير المسلمين بأهمية هذه القضية، وعدم حملها على محمل الجد من قبل الجماهير.
غير أنه مما يعاب على هذه المرحلة هو ضعف الاهتمام في تحويل إدارة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية إلى إدارات مؤسسية ديمقراطية بالمفهوم الحديث، فبقيت تلك المؤسسات والمصارف معتمدة وبشكل رئيسي على الأفراد المؤسسين لها. وأيضاً ضعف الاهتمام بالبحوث العلمية الجادة والرصينة التي سوف تعمل على تدعيم وتنمية تلك المصارف وحل مشاكلها. وغياب الرؤية المستقبلية المتوسطة والبعيدة المدى حول مستقبل هذه المصارف.
2- مرحلة الشباب والقوة والحيوية: والتي كانت امتداداً طبيعياً للمرحلة الأولى. ورغم أن هذه المرحلة في النظم المصرفية عادةً ما تستمر إلى عقود من الزمن، فهناك بنوك ليست إسلامية يفوق عمرها 100 عام وهي ما زالت تزداد قوةً ونشاطاً، إلا أن المصارف الإسلامية كما يبدو من واقع حالها تسارع لاجتياز هذه المرحلة المهمة من عمرها لتدخل بعدها في مرحلة النضوج، الذي قد يطول وقد تعقبه الكهولة على مستوى البنك الفرد، بيد أنه قد يستمر طويلاً على مستوى النظام المصرفي. فإذا ما أرادت البنوك الإسلامية ومن ورائها جماهير المسلمين أن تطول هذه المرحلة الحيوية من عمرها فلابد لها من مراجعة وتقويم كافة خططها الكلية وبرامجها وأنشطتها التي تمارسها من حين إلى آخر. ودراسة الإنجازات والإخفاقات والتصحيح المستمر لمسار التجربة من كافة نواحيه الشرعية والقانونية والمحاسبية والفنية والإدارية والاقتصادية، ولابد من وضع رؤية استراتيجية واضحة بعيدة المدى وشاملة لكافة جوانب النظام المصرفي الإسلامي مستفيدةً من تجربة الماضي المتراكمة. وبالتالي لابد من العمل ضمن إطار نظام مصرفي متجانس ومتكامل وواضح الرؤية والمعالم. حيث إن انعدام التجانس في النظام المصرفي الإسلامي وخصوصاً في داخل الدولة الواحدة يخلق لدى جماهير المسلمين لوناً من ألوان اهتزاز الثقة في النظام المصرفي الإسلامي. ومن الضرورة بمكان الربط ما بين الرسالتين المعنوية والاقتصادية اللتين تتبناهما المصارف الإسلامية. فبإيماننا نحن المسلمين بأن الدين الإسلامي رحمة للعالمين، لابد وأن تدرك جماهير المسلمين، بل والعالم أجمع أين تكمن أبعاد الرحمة في تطبيق النظام المصرفي الإسلامي. فإذا لم يدرك الناس تلك الأبعاد فنحن إذاً لم نحقق الغاية المعنوية لرسالة المصارف الإسلامية. ومن هذا المنطلق فإن من أهم الأسس والمحاور التي يجب أن تهتم بها المصارف الإسلامية في هذه المرحلة من عم