هل يتعين على الأميركيين أن يدفعوا في اتجاه إحلال ديمقراطية أكبر في الشرق الأوسط حتى لو كانت عملية الدمقرطة تلك تعني أن تأتي إلى السلطة أحزاب تعارض بشدة السياسات الأميركية، بما فيها الأحزاب التي تجاهر بكونها إسلامية؟
والجواب هو نعم. فجميع الأشخاص الذين يعلنون التزامهم بالديمقراطية لهم الحق في المشاركة حتى لو أدى ذلك إلى صعود أحزاب إلى السلطة نتعارض معها سواء كانت تلك الأحزاب في داخل الوطن أم خارجه. لأن هذا في نهاية المطاف هو ما تعنيه فعلا الممارسة الديمقراطية: السماح لأشخاص يحملون أفكارا متباينة بالعمل سوية لحل اختلافاتهم عبر الحوار وصندوق الاقتراع، بدل اللجوء إلى العنف. لكن ماذا لو قامت بعض الدول بانتخاب إسلاميين كقادة؟ هل يجب أن نخشى في هذه الحالة من مبدأ "شخص واحد، صوت واحد، في وقت واحد" أكثر من أية حالة أخرى؟ غير أننا يجب أن نتذكر في هذا الإطار أنه في الشرق الأوسط كما في مناطق أخرى كان دائما هناك العديد من القادة المنتخبين الذين تمسكوا بالسلطة عبر القمع باسم المبادئ العلمانية التي طالما تشدقوا بها، وما صدام حسين إلا واحد من تلك الحالات.
وفي المقابل هناك أحزاب إسلامية متفتحة حكمت على نحو جيد وحافظت على التزامها بالمبادئ الديمقراطية. ولعل حزب العدالة والتنمية التركي يشكل أوضح مثال على ذلك. فمنذ فوزه في الانتخابات التي أجريت في 2002 نجح الحزب في الحفاظ على دعم الناخبين، وفي الوقت نفسه استطاع تعزيز حقوق الأقليات العرقية وأظهر مرونة دبلوماسية أكبر ممن سبقه من العلمانيين في حل النزاع مع اليونان حول قبرص الذي دام أكثر من ثلاثين سنة.
أما معارضة تركيا للحرب على العراق فشأنها في ذلك شأن دول أخرى، وفي خطوة لجبر الضرر التقى هذا الأسبوع الوزير الأول التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس بوش خلال زيارته لواشنطن. هذا ويمكن تشبيه حزب العدالة والتنمية بالأحزاب الدينية المسيحية المنتشرة في أوروبا، أو الأحزاب اليهودية الموجودة في إسرائيل كالحزب القومي الديني. وهذه الأحزاب وإن كانت تدعو إلى بناء مجتمعات قومية ترشدها التعاليم الدينية، إلا أنها أبانت عن قدرتها على العمل وفقا للقواعد الديمقراطية، بالإضافة إلى العمل جنبا إلى جنب مع الأحزاب الأخرى غير الدينية.
لكن ماذا عن خطر الإرهاب؟ يستثير هذا السؤال مخاوف العديد من الأميركيين، خصوصا إزاء بعض الجماعات كحماس في فلسطين وحزب الله في لبنان. فكما هو معلوم يندرج الحزبان في قائمة "الإرهاب" الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية، لا سيما وهما يملكان جناحين مسلحين يعملان بالأساس ضد إسرائيل. لكن لا يجوز أن ننسى كذلك أن حزب الله وحماس يمثلان شريحة واسعة من الرأي العام داخل مجتمعيهما. وقد استطاع الحزبان كما باقي الأحزاب الإسلامية الأخرى خلال السنوات الأخيرة اكتساب سمعة طيبة في إدارة مشاريع الرعاية الاجتماعية بشكل فعال وبعيد عن الفساد وهو ما يتناقض بشدة مع السمعة التي حازتها بعض الجماعات العلمانية.
ويجب على الأميركيين والآخرين أن يدركوا أن هناك فرقا واضحا بين "القاعدة" وتلك الجماعات الإسلامية التي تقوم بعملها بشكل منفتح وتوفر الخدمات للمحتاجين من السكان والملتزمة بالانخراط في العملية السياسية على أساس من الديمقراطية العادلة. وبالطبع يتعين على هذه الأحزاب أن تقلص من أجنحتها العسكرية أو إغلاقها. ويبقى أفضل سبيل لتحقيق ذلك هو التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين إسرائيل وجيرانها.
وأثناء ذلك، هل يحق للولايات المتحدة تشجيع القوى الأخرى للقيام بخطوات في اتجاه إقصاء هذه الجماعات من المشاركة في العملية السياسية في بلدانها؟ قطعا لا. أولا، لأن من شأن القيام بذلك أن يظهر أميركا، عن حق، على أنها قمة النفاق خصوصا في هذا السياق الذي يبرز فيه خطاب بوش القوي الداعم للديمقراطية في الشرق الأوسط. ثانيا لأن من شأن إشراك هذه الأحزاب في حكم بلادها حكما مسؤولا أن ينعش الحياة السياسية ويؤمن الاستقرار لمجتمعاتها. غير أن مثل هذا الاستقرار سيظل بعيد المنال في حالة الإصرار على الخطاب المتشدد الذي يرفع شعار "عدم الحديث مع الإرهابيين".
ولنتذكر كيف أن النظام العنصري في جنوب إفريقيا كان يرفض لعقود التحدث مع المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يتزعمه نيلسون مانديلا تحت الذريعة الواهية أن أعضاء المؤتمر الوطني كلهم "إرهابيون". لكن عندما شرعت حكومة البيض سنة 1990 في إجراء المحادثات مع نيلسون مانديلا - وحمدا لله أنهم فعلوا، وجدوا حزب المؤتمر الوطني مستعدا لدخول العملية السياسية على أساس عادل يعتمد مبدأ شخص واحد، صوت واحد. وقد استطاعت جنوب إفريقيا بفضل النهج الذي اتبعه حزب المؤتمر الوطني بجماهيره المنضبطة والمنظمة أن تؤمن انتقالا سلسا نحو الديمقراطية. أما المخاوف التي كان يبديها البيض في جنوب إفريقيا بشأن تقوية موقف الإرهابيين في حالة الدخول في حوار مع حزب المؤتمر فقد أثبتت عدم صحتها.
وبالمثل يتعين على الولايات المتحدة والحكومات العديدة المت