بعد مظاهرة الثامن من آذار الماضي التي دعا إليها حزب الله قال مسؤولون أميركيون: "لقد أثبت حزب الله قوته الشعبية في لبنان". وكتب بعضهم: "لقد أكدت المظاهرة أنهم جزء فاعل من الحياة السياسية اللبنانية". تساءلنا يومها: ألم يكن يعرف الأميركيون هذه الحقيقة قبل المظاهرة؟ وهل كانوا ينتظرون مثلاً هذه المظاهرات بالذات والحزب نفسه كان قد دعا إلى مظاهرة قبل أشهر في الضاحية الجنوبية قدّر عدد المشاركين فيها بخمسمائة ألف شخص؟
لماذا أعود إلى هذه المسألة اليوم؟. لأن الانتخابات النيابية في دوراتها الأخيرة أثبتت حضور حزب الله وفاز نوابه فيها، وكان التصويت في الجنوب لافتاً لناحية تأكيد التحالف بين الحزب وحركة أمل وبالتالي لناحية العمل المشترك للماكينات الانتخابية وعدم وجود تشطيب، بما أكد وحدة الموقف الجنوبي عموماً، والشيعي خصوصاً وإلى حدود بعيدة, إذ ليس ثمة شيء مطلق في حجم حضور هذا الفريق أو ذاك والصفة التمثيلية له هنا أو هناك. بعد الانتخابات، وفي تعليق أميركي ســـريع أعلنت الخارجية الأميركية: "إن حزب الله مجموعة إرهابية يجب نزع سلاحها حتى لو فاز في الانتخابات النيابية"!
هكذا بكل بساطة يصرون على تصنيف شريحة كبيرة من اللبنانيين لها حضورها ودورها وممثلوها في المجلس النيابي بخيار الناس الديمقراطي، بأنها إرهابية. يعني ذلك أن ثلث اللبنانيين مثلاً هم إرهابيون. وإذا حسبنا من يؤيدهم في هذه الخانة ووجهنا إليهم هذه التهمة لأدركنا أن غالبية اللبنانيين مكونة من إرهابيين! فهل هذا صحيح؟ وما معنى الديمقراطية والانتخابات في مثل هذه الحالة؟.
وفي تعليق إسرائيلي مواز قالت الخارجية الإسرائيلية: "إن حل مشكلات لبنان يبدأ بتنفيذ القرار 1559 أي بنزع سلاح حزب الله".
إذا سلمنا جدلاً أن ثمة توجهاً لتنفيذ هذا القرار فما هي وسائل التنفيذ؟ ومن ينفذ؟ هل ستغامر إسرائيل مجدداً مدعومة من أميركا، بعمل عسكري كبير ضد لبنان تحت هذا العنوان؟ ومن قال إنها ستنجح؟ ألا يعني ذلك تدميراً للبنان وإشعالاً لحرب كبيرة وتهديداً للسلام والاستقرار في كل المنطقة؟ وما علاقة إسرائيل بهذا الأمر؟ في وقت هي التي تمارس الإرهاب وتعتدي على اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم وتحتل أرضهم وتسرق مياههم وتعتقل وتأسر أبناءهم وتعذبهم؟
وهل يمكن تنفيذ القرار 1559 بتدخل أميركي مباشر؟ وما علاقتهم بهذه المســـألة أيضاً؟ وماذا ستكون نتائج تدخلهم المباشر؟ ألم يجربوا سابقاً هذه السياسة فخربوا كل شيء وأساءوا إلى لبنان؟ وهل يعزز مثل هذا التدخل الوحدة الوطنية اللبنانية؟ هل يساعد لبنان على تجاوز مشاكله؟ هل يكرس السيادة والحرية والاستقلال وهي شعارات يدعمها الأميركيون؟
المسؤولون الأميركيون يقولون: "لا, لن نتدخل. إنها مسؤولية السلطة اللبنانية". ولكن ما هو واقع هذه السلطة؟ وما هي إمكاناتها؟. السلطة اللبنانية الجديدة ستنبثق عن المجلس النيابي الجديد. وهي تأتي بعد زلزال كبير أصاب لبنان بفعل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. وتأتي بعد انسحاب سوريا من لبنان ومراقبة دولية للوضع فيه. وفي ظل شعور عند اللبنانيين بأنه لا مظلة فوق لبنان. وكل شيء مفكك. ولا تسوية تحميه وبالتالي فإن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، وقد تعزز هذا الشعور بعد اغتيال الصحافي الشهيد الدكتور سمير قصير، لأن اللبنانيين كانوا اعتقدوا أن مسلسل الاغتيالات قد توقف، ولا يمكن أن يستمر لا سيما وأن لجنة التحقيق موجودة في بيروت ولأن المتابعة الدولية تمنع تنفيذ عمليات أخرى!
في الواقع ثبت للبنانيين العكس. فلا هيبة اللجنة المعنوية نفعت، ولا المتابعة الدولية منعت. لذلك وفي مثل هذا الوضع كيف يمكن للسلطة الجديدة أن تعالج مسألة سلاح "حزب الله" إذاً بغير طريق الحوار والهدوء والعقلانية والحكمة دون أن تكون تحت الضغط المستمر أو التهديد أو الاستهداف من الخارج أولاً، ودون أن تكون تحظى بإجماع لبناني حول الحوار وحمايته لحماية خيارات لبنان ومستقبله؟.
إن المرحلة المقبلة بعد الانتخابات تحمل الكثير من التحديات والمخاطر. والاستحقاقات التي تنتظر لبنان كبيرة وكثيرة، وفي طليعتها الاستحقاق المذكور، الذي لا يمكن مقاربته خارج إطار الحوار والاحتضان الإقليمي والدولي لهذا الخيار. أما إذا استمر الضغط الأميركي – الإسرائيلي (وهذا ما هو متوقع للأسف) علينا، فهذا يعني أننا سنواجه تحدياً كبيراً على هذه الجبهة ترافقه تحديات أخرى على جبهات أخرى متعلقة بالوضع الاقتصادي الاجتماعي
أو بالوضع السياسي الداخلي عموماً. وما يستعد له البعض من تحركات ومواقف وتحضيرات تدخل في سياق لعبة ردود الفعل وتصفية الحسابات ولا تتعلق بالاستراتيجيات والأساسيات لحماية لبنان.
طبعاً هذه ليست دعوة لعدم الاهتمام بالوضع الداخلي واستحقاقاته على كل المستويات من إصلاح ومكافحة فساد وتحرير قضاء لتأكيد استقلاليته كما استقلالية الجامعة اللبنانية وغيرها وغيرها من العناوين. لكن المقصود هو ضرورة الاستعداد لمواكبة ا