يا ترى لماذا الإقبال الكبير على أعمال السحر والشعوذة في الكويت وغيرها من الدول العربية!.. بثت إحدى القنوات الفضائية برنامجاً عن السحر والشعوذة وأجرت مقابلات مع من يقوم بهذه الأعمال وتبين أن النساء هم السوق الرابحة.
إحدى المفارقات القريبة أن الجمارك الكويتية بدأت تضاعف جهودها في رصد المهربين لأعمال السحر والشعوذة وأضافت ممنوعا جديدا إلى قائمة الممنوعات الطويلة، وبدأنا بين حين وآخر نقرأ عن إلقاء القبض على ممنوعات تدخل ضمن أعمال الشعوذة وكان أطرفها صورة لشخصية مخيفة، أسنانها بارزة إلى الأمام وقال صاحب الصورة إنه قام بتحضير صورة شخص متوفىً لسيدة لخلاف بينها وبين زوجها. كما تم إلقاء القبض على كميات كبيرة من السحر المعد خارج الكويت مقابل مبالغ باهظة تصل إلى أكثر من 20 ألف دولار. وتقول المصادر الجمركية الكويتية إن مهربي أعمال السحر يحققون مبالغ خيالية وخصوصا تلك الأعمال التي تقوم على جمع رفات الموتى وتحولت المقابر إلى مناجم لمتعاطي أعمال السحر. وتفيد تلك المصادر أن الجيف أصبحت مصدراً لأعمال السحر كالخفافيش المحنطة واستخدام ريش الهدهد وقطع من حيوان الضبع للتغلب على مشاكل العقم والجنس.
التشريعات الكويتية لا تحتوي على مواد قانونية واضحة تعاقب من يقوم بأعمال السحر وأصبحت السلطة التشريعية مطالبة بتشريعات جديدة للتصدي لهذه الظاهرة.
الغريب في الأمر أن الإقبال على أعمال الشعوذة لم يعد مقتصراً على فئة اجتماعية معينة، بل إن روادها من كافة الطبقات الاجتماعية وتزداد انتشارا بين الفئات الغنية من النساء. والمتابع لأنواع السحر والشعوذة يجد أم معظمها ينصب حول العلاقات الزوجية وقضايا الحب والجنس ما يدلل على أن المشكلة تحاكي الواقع الاجتماعي.
في إحدى دراساتي حول مشاكل الشباب في الكويت بين طلاب وطالبات الجامعة وجدنا أن قضايا الحب والجنس تعد أهم المشاكل التي تواجه الشباب. ويبدو لي أن غياب التوجيه الأسري والتشدد الذي يشهده المجتمع الكويتي على أيدي أنصار التطرف أو حتى المحافظين يشكل أحد الأسباب لانتشار مثل هذه المشاكل بين الفئات الشابة.
والمتابع للبرامج التلفزيونية يلاحظ أنها تشهد إقبالا كبيرا من الفئات الشابة من النساء ومعظمهن يعبرن عن إخفاقات في العلاقات الزوجية والعلاقات بين الأحبة وجميعهن يطلبن النصح في كيفية جذب الزوج أو إعادة سخونة العلاقات بين الأحبة.
يبدو لي أن تجاهلنا المتعمد لقضايا الشباب يدفعهم إلى اللجوء إلى أعمال السحر أو البحث عن من يستمع لهمومهم ومشاكلهم. وفي ظل صرامة التقاليد التي تمنع الفرد من البوح بهمومه، يلجأ الكثيرون إلى ممارسات خاطئة بعيدة عن عين الغير.
عودة لأعمال السحر والشعوذة وانتشارها بين الشرائح الغنية، وهو أمر بحاجة إلى بحث من علماء النفس والاجتماع، وخصوصا تلك الفئات التي تريد الانتقام من الزوج أو الصديق عن طريق ما يطلق عليه "العمل". يبدو لي أن المشكلة بحاجة إلى بحث معمق في طبيعة العلاقات الزوجية، وربما أن غياب مكاتب الإرشاد الزوجي قد يضاعف من حدة مثل هذه المشكلات. أما انتشار أعمال السحر بين النساء فأعتقد أنه يعكس طبيعة الوضعية الاجتماعية للمرأة في المجتمعات العربية حيث مازالت تفرض على المرأة كثير من القيود الاجتماعية غير المرئية التي قد تسبب حالة لاضطراب شخصية المرأة.
أعتقد أننا بحاجة إلى حملات إعلامية توعوية وإلى مزيد من الانفتاح في مناقشة قضايانا الاجتماعية وطبيعة الحواجز التي تعيق الشفافية في البوح عن همومنا واتجاهاتنا نحو أنفسنا والآخر.