عاد عصر الجواري والإماء القيان والحريم، إنها قصة المرأة في العالم العربي حاضرا وماضيا وربما مستقبلا تعيد إنتاج فصولها بتعديلات طفيفة على السيناريو والإخراج. قصة قديمة, لعبة مستمرة بطلها الأوحد الرجل العربي ممسكا بكل خيوط اللعبة موهما المرأة العربية بأنها الأصل, وأنها نصف المجتمع, وأنها المبتدأ والخبر في حياته وأنها... وأنها... والمرأة من ناحيتها تتناسى وتتجاهل أنها هي اللعبة اضطرارا ثم اختيارا, هي تجسيد لحريم القرن الحادي والعشرين بعد ما يقرب من قرن على حركات التحرر والمناداة بالمساواة. لقد صعقت الحركات النسوية العربية نتيجة الثورة على المجتمع والكفاح الطويل للمناداة بالحق في التعليم أولا, والعمل ثانيا, والمساواة في الحقوق والواجبات، فكانت النتيجة زلزالاً لصورة المرأة العربية المرجوة في القرن الجديد, فإذا بها صورة عتيقة - جديدة, صورة حدثت بتقنيات القرن الحاضر لتعود صورة امرأة عصور الحريم والجواري.
قديما كان الشعر العربي تجسيدا لهوس الرجل العربي بالجمال الحسي, أو بدون مبالغة كان تجسيدا للجنس والمتعة من وجهة نظر ذكورية. كان الشعر ابتهالات في وصف جسد المرأة, نظرة حسية تلتقط التفاصيل وتجسدها بتشبيهات أخرجها الشعراء من بطن بيئاتهم فرسموها بالكلمات رسما لرغباتهم الجنسية جسدا بلا روح. ومن الجاهلية حتى الآن لا زال الشعر العربي يحاصر المرأة بدوائر المرأة - الجسد, المرأة- الرغبة - الحلم. ومن الوأد الجسدي إلى الوأد الاجتماعي امتد تاريخ القهر العربي للمرأة من مرحلة الجاهلية الأولى ما قبل الإسلام وحتى الآن الجاهلية الجديدة... فماذا نسمي الجواري المتقافزات المتمايلات على البؤس العربي, والمغنيات المؤديات ذوات الأصوات النشاز بـالـ"New Look" المتغير مع فصول السنة. هي المرأة الجسد, صورة المرأة التجريدية تجسيدا للجنس. وللعجب أن المجتمع العربي الذي يرسم حدودا بين المرأة والرجل ويفرض مفاهيم العفة والطهارة على المرأة، حيث الجنس فيه موضوع محرم ومنطقة محظورة على العفيفات, يشجع على أن تكون المرأة جسدا فقط. هي إشكالية الوعي العربي القديم والمعاصر. المرأة - الجسد ثنائية ترادفها إشكالية الجنس عند العرب الموضوع المحرم المقدس، ولذكورية اللغة العربية اتخذت بعض اللهجات المحلية من لفظ "الحرمة" صيغة مرادفة لـ"المرأة" بكل إيحاءاتها من التحريم والحرام فكان الحريم.
حريم القرن الحادي والعشرين وجوه متشابهة خرجت من تحت مبضع جراح ماهر إلى درجة أصبحت معها صورا مكررة تنهك الذاكرة بمحاولة تذكر أسماء لوجوه متشابهة فقدت جمال الاختلاف. المرأة فيها مجرد جسد بلا عقل يحمله هذا الجسد, ولا إحساس. ومن مثلث العقل والجسد والقلب كانت المرأة الجسد. شفاه غليظة، ما تبقى من أنف صالح للتنفس، خدود مشدودة فقدت كل معاني التعابير الإنسانية, عيون فقدت بريقها, أجساد تشكل لوحة تجريدية لعدم تناسقها الإنساني, صدور كبيرة على قدود نحيفة لحد البؤس. صورة لو رسمها فنان عربي قبل عقود قليلة لأتهم بالحسية والإباحية، لكنها ليست صورة تجريدية تقبع في إطار, هي أجساد حية تعيش بيننا, مفروضة على وعينا. وإعلاميا هي مقاييس جمال المرأة الجديدة. المرأة العربية التي تعكسها وسائل الإعلام من مطربات وممثلات ومذيعات. وجوه إعلامية وجوه مجتمعية تحت الأضواء, ولكثرة إلحاح هذه الصورة تحولت إلى حقيقة نموذج يجسد أحلام المراهقة العربية من فتيات وفتيان.
لا نقول بأن رجل القرن الحادي والعشرين هو الظالم فالمرأة تظلم نفسها بكل هذا الخضوع لثقافة الاستهلاك حتى أصبحت هي السلعة وعادت المرأة لسيرتها الأولى سلعة تباع وتشترى... فقد عاد الرق من جديد.
هي دعوة للجمعيات النسائية، وللناشطات في المجتمع لمقاطعة تسليع المرأة في وسائل الإعلام, ولمقاومة حملة تتفيه المجتمع بالتركيز على صورة المرأة الحقيقية التي تعيش بيننا لا على أغلفة المجلات "النسائية" أو في عقول الرجال الشهوانية. المرأة العاملة، الأم، النماذج المضيئة التي تعيش في مجتمعاتنا. هي دعوة لتبني حملة للضغط على المجلات "النسائية" التي تتصدرها صور الرقيق الجديد لتبديل الصورة التي ننظر فيها لذواتنا، وفي نهاية المطاف لن نكون الحريم الجديد.