في العاشر من نوفمبر 2001، قال الرئيس بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة:"نعمل لنصل إلى اليوم الذي تعيش فيه دولتان، إسرائيل وفلسطين معا بسلام في حدود آمنة ومعترف بها كما تطلب قرارات مجلس الأمن الدولي". ويبدو أن النتائج التي تمخضت عنها زيارة الرئيس الفلسطيني لواشنطن، والتي وصفها مسؤول في الوفد الفلسطيني بأنها "تجاوزت كل توقعاتنا"، قد أنارت - عند البعض الأقل تفاؤلا- ضوءا في نهاية النفق الذي تجمدت فيه عملية السلام منذ وقت طويل. وبعد ذلك الجمود، واندلاع نيران الانتفاضة وما سبقها وواكبها من عنف دموي إسرائيلي أعاد احتلال الضفة والقطاع، اتهم بوش رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك الزعيم ياسر عرفات بالمساهمة في صنع المأزق الذي وصلت إليه عملية السلام مقرراً وقف التعامل معه. إلا أن وفاة الزعيم الفلسطيني وانتخاب محمود عباس "أبو مازن" رئيسا جديدا للسلطة، أسقط هذه الورقة من يد الإدارة الأميركية.
قاد الرئيس عباس، منذ انتخابه، بل منذ تولى رئاسة الوزراء، إصلاحات ذاتية في السلطة الفلسطينية قبل وبعد أن طلبتها الولايات المتحدة شرطا لإعادة العلاقات معها، كما توصل إلى اتفاق التهدئة المعروف. وقد رأت الإدارة الأميركية ورئيسها أن انتخاب عباس رئيسا "قد ساهم بنشر الديمقراطية في العالم العربي" مما دفع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى وصف عباس بـ"القائد المختلف عن سلفه والرجل الملتزم دون أدنى شك". وقد "تصادفت" الزيارة الأولى للرئيس عباس إلى البيت الأبيض مع زيارة أرئيل شارون لواشنطن لإلقاء كلمة أمام "منظمة الإيباك" الصهيونية (ذات التأثير القوي) والتي كانت قد قامت باستعراض قوة في وجه بعض سياسات الولايات المتحدة. وبهذه المناسبة، ألقى شارون خطابا تضمن مواقف متشددة تشكل بالفعل نسفا لجهود السلام. فكيف يعقل أن يكون هناك فرصة حقيقية لسلام يرضى عنه الفلسطينيون في ظل تأكيد شارون "لاءاته الثلاث" وهي:"لا عودة إلى حدود عام 1967، و لا إنهاء للمستوطنات التي ستبقى جزءا لا يتجزأ من إسرائيل، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفق قرارات الشرعية الدولية" وإصراره على بقاء القدس "عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل"! وكل ذلك جاء ضمن خطة إسرائيلية قديمة/ جديدة لتخريب علاقات واشنطن مع الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية. غير أن الرئيسين بوش وعباس تجاوزا محاولات التخريب تلك. ففي المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماع الرئيسين، كرر بوش ثقته بعباس وبالتزام بلاده بخريطة الطريق باعتبارها "الوسيلة الوحيدة لتجسيد تصور الدولتين اللتين تتعايشان معا في سلام"، ممتدحا الإصلاحات التي ينفذها الرئيس عباس ورفضه لـ"العنف"، حاثا الدول العربية على "المساهمة في خلق مناخ ملائم" عن طريق تقديم مساعدات مالية للسلطة. كما دعا بوش إسرائيل لتحسين حياة الفلسطينيين العاديين خاصة في الجانب الإنساني، وأكد على ضرورة أن يكون "الجدار" الإسرائيلي في الضفة "جدارا للأمن وليس جدارا سياسيا"، وألا تتخذ إسرائيل أي خطوة تنتهك تعهداتها بموجب مشروع خريطة الطريق، "ووقف كل عمليات التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية وإزالة جميع المستوطنات غير القانونية والعشوائية".
وأضاف بوش: "نلتقي في وقت أصبح إنجاز كبير في التاريخ في متناول اليد، إنشاء دولة فلسطينية سلمية وديمقراطية". ولعل أهم ما قاله الرئيس الأميركي هو إشارته إلى خط الهدنة لعام 1949 وتأكيده على "أن أي تعديل في هذا الخط يجب أن يكون موضع اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين". وهذا التصريح يحقق توازنا معينا بعد تأكيداته المعاكسة المقدمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون العام الماضي. فيومها، اعتبر بوش العودة إلى خط 1949 الذي يفصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة "غير واقعي". ومع أن الرئيس عباس لم ينجح في أخذ ضمانات خطية من بوش، ومع أن هذا الأخير لم يتطرق إلى موضوع اللاجئين وحق عودتهم إلى ديارهم بموجب قرارات الشرعية الدولية، فإن ما قاله الرئيس الأميركي حول: "أي تعديلات محتملة في الحدود يجب أن تكون بموافقة الطرفين" أفرغ – بقدر معين- مضمون الضمانات التي سبق وأعطاها لشارون حول ضم الكتل "الاستيطانية" التي تحيط بالقدس.
اعتبر الرئيس عباس التأكيد الأميركي على إقامة دولة فلسطينية، ومعارضة توسيع الاستيطان، وغير ذلك، نصرا للدبلوماسية الفلسطينية. وأكد الرئيس الفلسطيني في تصريح له: "إنني راض جدا عن نتائج اللقاء" معبرا عن ارتياحه الكبير لأن "الولايات المتحدة قالت بوضوح إنها لن تدعم النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية، وعبرت عن تصميمها على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافيا وقابلة للاستمرار وغير مجزأة"! ويبدو أن الرئيس بوش قد أعطى الفلسطينيين أقصى ما كانوا يتطلعون إليه في ظل الظروف الحالية، كما أعطى شارون قبل ذلك بعض ما كان يتمناه ألا وهو "عدم منطقية" العودة إلى حدود عام 1967، مع موافقة أميركية واضحة بضم الكتل "الاستيطانية" الضخمة التي تحيط بالقدس، وكذلك (وهو الأهم