منذ افتتاح معرض "الإمارات للوظائف 2005" في 17 من شهر مايو الماضي بدبي، نصبت نفسي مراقبا ومتابعا لما سيحصل لقضية توطين الوظائف في دولة الإمارات وحددت لنفسي فترة أسبوعين لكي أستطيع أن آتي بجديد حول هذه القضية، التي بات كل ما يقال عنها وحولها ليس جديدا. وخرجت من تلك المتابعة بملاحظة أجدها خطيرة إذا لم يتم تداركها في أسرع وقت ممكن. فقد تحولت قضية التوطين من قضية وطنية كبيرة تستوجب تكاتف الجميع حولها من أجل إيجاد حل لها إلى قضية شخصية بين مجموعتين (فريقين)، كل منهما يدعي امتلاكه معلومات وأرقاماً تنسف ما لدى الآخر وأن أرقامه لا تحتمل الخطأ ومصادره موثقة.
قد يبدو أنه من غير المجدي الدخول في حيثيات الصراع الدائر بين المجموعتين مستخدمين الصحف المحلية ساحة لتبادل الاتهامات والجدل الذي يمكن وصفه بأنه "جدل بيزنطي" بل إن بعض كتاب الرأي في هذه الصحف انقسموا بين مؤيد لهذا وآخر معارض له، حتى باتت صفحات الصحف المحلية لا تركز على قضية البطالة باعتبارها "هماً وطنياً كبيراً" بقدر تركيزها على الدخول في هذا اللغط لإبراز أرقام وبيانات لمسؤول لا يؤيد الإحصائيات التي ذكرها مسؤول آخر، سواء كانت تلك الأرقام متعلقة بعدم وجود بطالة في دولة الإمارات أو لتأكيد وجودها.
بالطبع، هناك طرف ثالث في الجدل الدائر حاليا حول وجود البطالة من عدمها، وحول تقاعس المواطن الراغب في العمل, وأنه لا يريد العمل بعيدا عن زوجته وغيرها من صغائر الأمور التي لا تقدم حلولاً للمشكلة بقدر ما أنها تعمل على تفاقمها وتحويل تركيز الجهود حولها، وهذا الطرف هو المواطن. فرغم أنه هو صاحب المشكلة والقضية أساسا، إلا أنه أصبح ضائعا بين خلافات من يفترض بهم البحث عن حل لمشكلته، وأصبح همّ المسؤول هو كيفية إثبات كلامه بأنه الأصح وأنه "بطل" الأرقام والبيانات والإحصاءات، وأن خططه هي الأصح، بدل البحث عن حل للمشكلة.
مما لا شك فيه أن التوطين والبطالة همان كبيران ومشكلة متفاقمة وحقيقة نعيشها جميعا سواء كانت أرقامها كبيرة أم صغيرة, وأنها تفاقمت بعد أن تراكمت بدون حل مع مرور الزمن (لأسباب مختلفة أحدها اختلاف رؤى المسؤولين حول وجودها وحقيقتها). ومما لا شك فيه أيضا، أن الصراع الدائر حولها الآن ليس في صالح "التوطين" ولا في صالح المواطن الذي يبحث عن العمل، بل إن الاتهامات المتبادلة على صفحات الجرائد والتنصل من المسؤولية ومحاولة إلقاء اللوم على الآخر، إنما هي تضييع لمسار الاهتمام بالمشكلة الرئيسية.
ومع أننا لسنا من هواة التهويل بالمشكلة ومن الآثار التي يمكن أن تخلفها نتيجة لاستمرار تفاقمها، فإننا أيضا لسنا مع التهوين باعتبار أن هناك دراسات متعلقة بسوق العمل الإماراتي تثبت وجود هذه المشكلة, وأنها مشكلة كبيرة جدا وأن حلها معقد وأنها تمثل "تحدياً" حقيقياً للإمارات، ويجب النظر إليها بشمولية لأن أهمية القضية تحتاج إلى توحيد الرؤية لتكتمل الجهود. لذا فالمطلوب العمل سوياً والابتعاد عن الجدل، من أجل إيجاد حل للمشكلة ومن أجل توحيد الرأي العام الإماراتي حولها، وعدم خلق نهج جديد قد يخالف التوجه العام للدولة.