هناك أزمة ثقة في قيادة الرئيس الأميركي في العراق· إذ تنتاب الشعب الأميركي والكثير من أعضاء الكونغرس شكوك شديدة حول ما إذا كانت لدينا استراتيجية من أجل النجاح·
وقد أدليت بصوتي تأييداً لإقرار مبلغ الـ 87 مليار دولار الذي طلبه الرئيس بوش ، لاعتقادي بأننا لا نستطيع تحمل تبعات الإخفاق في العراق، ولاعتقادي بأننا نستطيع تحقيق النجاح إذا تصرفنا بحكمة· فماذا علينا أن نفعل حتى نحقق النجاح؟ الخطوة الأولى توجب فهم الموقف على الأرض في العراق، وفي العراق واقعان اثنان أولهما أن الإدارة محقة في الإشارة إلى أننا حققنا تقدماً حقيقياً بفتح المدارس والمستشفيات وإطلاق مشروعات إعادة الإعمار وإقامة المجالس المحلية· غير أن ذلك التقدم كله تعرض للتقويض بفعل واقع آخر، وهو إخفاقنا حتى الآن في ترسيخ الأمن، ولا سيما في بغداد والمثلث السني·
إن المهمة رقم واحد تقضي بتصحيح الوضع الأمني- أي السيطرة على الشوارع وإلحاق الهزيمة بالرافضين، وتأمين وحماية مستودعات الأسلحة· ونحتاج أيضاً إلى معلومات استخباراتية أفضل على الأرض· ويعني نقص التدريب الملائم والكافي أننا سنواجه صعوبات في التمييز ما بين الأخيار والأشرار، ولذا من الضروري أن يكون العراقيون أنفسهم جزءاً من الحل، لكن علينا أن نساعدهم في إعادة بناء شبكاتهم الاستخباراتية·
إن الأمن يأتي دوماً على رأس سلم الأولويات؛ ومن المعلوم أن الإدارة، وليس الكونغرس، ملزمة بمسؤولية اكتشاف طريقة تنفيذ ذلك على الوجه الصحيح· غير أن الإدارة لا تنفّذ ذلك أصلاً، ولذا صرنا عالقين في وضعية التحييد وبدأ الوقت ينفد منا· إن الطريقة المثلى لتصحيح الوضع الأمني، على الأمد الطويل، تتمثل في جعل العراقيين يتولون تحقيق ذلك بواسطة قوة شرطة وجيش يتمتعان بالفاعلية ومقومات الاستمرار· إلا أن بناء القوتين الفاعلتين أمر يستغرق وقتاً وعندما كنت في العراق في شهر يونيو الماضي، قيل لي هناك إن تجنيد وتدريب 75 ألف شرطي عملية تستغرق 5 سنوات، وإن تجنيد وتدريب جيش قوامه 40 ألف رجل عملية تستغرق 3 سنوات·
إننا اليوم نسعى إلى تحقيق ذلك بسرعة مضاعفة، لكن دعونا هنا ندرك وجه الخطورة في ذلك: كلما كنا أسرع في الانطلاق وتعجلنا، صارت عناصر الجيش والشرطة أسوأ تدريباً وأقل مشروعية، وإن وضع تلك العناصر تحت عبء المسؤولية قبل الأوان ليس إلاّ وصفة ناجعة للإخفاق· سوف نحتاج، على أقل تقدير، إلى سنة واحدة قبل أن يكون في مقدورنا تسليم المفاتيح إلى أصحاب الشأن·
فماذا نفعل لكي نشتري الوقت؟ الخيار الأول إغراق المنطقة بمزيد من القوات الأميركية· وإن نشرها الآن هناك سوف يتيح لنا أن نسحب كل القوات فيما بعد وبسرعة أعلى· ونحن نحتاج على وجه الخصوص إلى عناصر الشرطة العسكرية والقوات الخاصة وخبراء الشؤون المدنية· غير أن هذا أمر عسير، إذ إن قواتنا معرضة الآن للإنهاك وتعمل فوق طاقتها في العراق وفي أفغانستان· وسيكون من الضروري أن نقوم بإعادة الجنود أنفسهم إلى العراق مرة ثانية وثالثة· ذلك قرار لا أحد يريد اتخاذه، لكننا ملزمون على الأقل بالنظر فيه ودراسته·
وهناك الطريقة الأخرى التي نشتري بها الوقت حتى يستطيع العراقيون تدبر شؤونهم بأنفسهم، وهي طريقة تحميل العالم كله المسؤولية عن العراق، أي أننا لن نكون وحدنا ملزمين بهذا العبء· لقد سنحت لنا فرص كثيرة لتحقيق ذلك- قبل الحرب، وفي أعقاب الحرب مباشرة وفي نهاية فصل الصيف، وذلك عندما أصبح من الواضح أن الموقف الأمني لا يحقق تحسناً· وقد تلكأت هذه الإدارة وتخلفت عن انتهاز كل فرصة من هذه الفرص·
إنني على قناعة بأن أمامنا فرصة أخيرة لإشراك العالم في العراق وإدخاله فيه من جديد· وسيكون ذلك أمرا يتطلب منا تحولاً تاماً في المسار من النموذج الانفرادي الأحادي الذي دأبنا على اتباعه بغية إعادة إعمار العراق وتحقيق الأمن فيه·
غير أن المشاركة ينبغي أن تصب في مصلحة أوروبا وفي مصلحة الدول المجاورة للعراق، والسبب في ذلك أن وجود دولة مصابة بالإخفاق في قلب الشرق الأوسط يعني وجود تهديد يخيم على أمن تلك الدول وكذلك على أمننا نحن· وينبغي عندئذ على الرئيس بوش أن يدعو إلى عقد قمة، وأن يقوم بزيارة أوروبا وأن يطلب المزيد من المساعدة· وسيكون علينا التخلي عن بعض السلطة، لكن العراق ليس بجائزة،وينبغي علينا أن نكون سعداء بتقاسم عبء بناء السلام· وينبغي على الرئيس أيضاً أن يقترح ثلاث مبادرات بهدف إشراك المزيد من البلدان في العملية·
أولاً، ينبغي علينا أن نجعل العراق مهمة من مهمات حلف الناتو ، وأن نجعل الجنرال جون أبي زيد قائداً للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، وذلك بتكليفه بمسؤولية ترؤس القيادة الجديدة التابعة لحلف الناتو في المنطقة· سيكون هناك المزيد من الدول التي تساهم معنا، ذلك لأنها مسؤولة أمام مجلس حلف شمال الأطلسي، وليست أمام البنتاغون· غير أن الولايات المتحدة سوف تحتفظ بالسيطرة العملياتية على الأرض بوجود الجنرال أبي زيد على رأس القيادة الجديدة التابعة لحلف الناتو·
ثانياً