تحتفل هذا العام كل من اللجنة الأميركية-العربية المناوئة للتمييز, والمعهد العربي الأميركي, بالذكرى الخامسة والعشرين, والذكرى العشرين لتأسيسهما على التوالي. وبالطبع فإن اللجنة الأميركية العربية المناوئة للتمييز, تعد لجنة رائدة في مجال الدفاع عن حقوق العرب الأميركيين. فقد كسبت على امتداد السنين, عدداً من القضايا أمام المحاكم, دفاعاً عن الحقوق المدنية للعرب الأميركيين, إلى جانب فوزها بالمعارك التي خاضتها ضد كبريات الصحف الأميركية، التي عمدت إلى الإساءة للعرب ومحاولة تشويه ثقافتهم.
كما دافعت عن عدد لا يحصى من العرب الأميركيين الذين عانوا عذابات ومضار التمييز العنصري, سواء في مواقع العمل, أم في المدارس، أم في حياتهم الاجتماعية بشكل عام. وفي الوقت ذاته, فقد ظل المعهد العربي الأميركي, أداة العمل السياسي الرئيسية للجالية العربية الأميركية, وذلك من خلال تنظيمه وتسجيله للناخبين العرب الأميركيين, وتعبئتهم باتجاه الفاعلية والنشاط إزاء المجتمع الأميركي الذي يعيشون فيه, حتى يتمكنوا من لعب دورهم في مجرى التيار الرئيسي للعملية السياسية في البلاد. وقد تمكن المعهد من انتزاع الاعتراف بدور الجالية العربية الأميركية في كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري, فضلاً عن تقديمه الدعم السياسي والانتخابي اللازم, للعرب الأميركيين الطامحين إلى ترشيح أنفسهم للمناصب السياسية, أو إلى تعيينهم فيها. إلى ذلك نجح المعهد في تدريب أجيال وأجيال من الناشطين العرب الأميركيين الشباب, وطرح قضايا واهتمامات الجالية العربية الأميركية, إلى قلب الحياة السياسية وما يتصل بها من حوار قومي عام.
هذا وقد أثمر عمل واجتماعات قادة هاتين المنظمتين مع كل من المدعي العام الأميركي, ووزير الأمن القومي الجديد, خلال الأسابيع القليلة الماضية, عن إحراز تقدم كبير في مختلف القضايا المطروحة للنقاش, بفضل التعاون المشترك بين المنظمتين. لكن وعلى رغم أهمية العمل الذي تقوم به كلتا الجهتين, إلا أن هناك مستوى ثانياً يمكن أن تكتب فيه قصتاهما. وأعنى بذلك أن الأكثر أهمية مما يمكن نسبته إلى نشاطهما, هو إسهامهما بالغ الأثر، في تشكيل هوية الجالية العربية الأميركية. يرتبط بهذا الإنجاز بالطبع إنشاء الجالية العربية الأميركية نفسها, وتحويلها إلى كتلة سياسية انتخابية، يحسب لها حسابٌ في العملية السياسية الانتخابية الأميركية, إلى جانب مساعدتهما مئات وآلاف الشباب من العرب الأميركيين, في الحصول على وظائف, كان لها إسهامها ودورها الكبير في تلبية مطامح وتطلعات الجالية, والمجتمع الأميركي ككل.
ولفهم ما بلغته الجالية العربية الأميركية من مكانة اليوم, فإن علينا تذكر ما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً خلت. فعندها لم يكن ثمة شعور مشترك جماعي لانتماء كهذا, مما يعني غياب منظمة شعبية تحمل هذه الهوية أصلاً. لكن وعلى امتداد الثلاثين عاماً المذكورة, أثمر الجهد المستمر المبذول, عن لم شمل العرب الأميركيين, الذين وفدوا إلى هنا من مختلف أنحاء وبلدان العالم العربي. وعليه فقد قام بناء الجالية على أساس اللغة والتراث الثقافي المشترك بين هؤلاء المهاجرين, وليس على أساس ايديولوجي.
ولم يكن الطريق ممهداً وسهلاً أمام تكوين الجالية، وإعطائها مكانتها التي تليق بها في الحياة السياسية الأميركية. فقد كانت ثمة تحديات كبيرة لا بد من مواجهتها والصمود أمامها. فعلى الصعيد الخارجي, كان هناك من سعى بين الأميركيين إلى عزل الجالية وإقصائها من العملية السياسية الأميركية. أما في داخل الجالية نفسها, فقد كان واجباً الصراع ضد محاولة البعض من المهاجرين, "استيراد" خلافاته الطائفية والثقافية والسياسية والايديولوجية, وزرعها في جسم الجالية, ومن ثم تفرقة صفوفها وتمزيقها. لكن وعلى رغم كل هذه التحديات, فقد تكللت الجهود الصبورة المبذولة، بإنشاء جالية موحدة، ذات هوية عربية أميركية, استطاعت أن تنتزع الاعتراف بدورها ومكانتها, سواء في مجرى التيار الرئيسي للحياة السياسية الأميركية, أم في المجال الثقافي الاجتماعي للمجتمع الأميركي. وهذا هو ما يجب الاحتفاء به في إحياء ذكرى تأسيس المنظمتين.