لا شك أن الإيجابيات التي حققها قيام سوق الأوراق المالية كثيرة جداً فهي أوجدت جواً من النظام في سوق المال لم يكن معهوداً من قبل. بيد أن هناك العديد من السلبيات التي لابد من إبدائها، حيث إن يعضها بالإمكان معالجته على الفور، أما البعض الآخر فقد يحتاج إلى وقت أطول. ومن تلك الملاحظات السلبية نورد الآتي:
(1) ضعف المستوى الإداري والتنظيمي والمحاسبي والفني للوسطاء، حيث إن أخطاءهم كثيرة جداً. ونخص بالذكر قلة عدد الموظفين لدى الوسطاء وضعف أسلوبهم التسويقي والإداري، وأخطاءهم المحاسبية، وبطء عمليات التصفية للصفقات، وعجزهم عن موافاة العملاء بتقارير مفصلة يومية وفورية. فأحياناً يفاجئ الوسطاء العميل بإخطاره هاتفياً بأن رصيده لا يغطي الصفقات التي أجراها مما يضطره إلى بيع بعض ما لديه من أسهم بخسارة من أجل تغطية تكاليف الصفقات وبعدها يتبين بأن الوسطاء كانوا مخطئين. وأحياناً يفاجأ العميل بالأخطاء المحاسبية تملأ كشف حسابه المصرفي، وعندما يراجع يتوه بين هذا وذاك، حيث لا يُلقى له بال، وقد لا تحل مشكلته إلا بعد أن يخسر من جهده ووقته ومكالماته الهاتفية الكثير. ويطلب الوسطاء من العملاء التوقيع بالتخويل بالخصم دون تحديد المبلغ عند كل صفقة شراء يجريها العميل. وقد يكون ذلك صائباً في حالة موافاة العملاء بتقارير فورية عن حساباتهم وبمستوى عالٍ من كفاءة الأداء أما بمستوى الأداء الحالي فالأمر يحتاج إلى إعادة نظر على الفور.
(2) بعض البنوك تجبر العملاء على فتح حسابات لديها من أجل سهولة تصفية الحسابات (أي المقاصة)، وهذا شيءٌ جيد عندما يتم بإرادة العميل وبكفاءة عالية من الأداء، بيد أنه يصبح غير ذلك عندما يكون إجبارياً وبمستوى متدنٍ من الأداء كما أشرنا. والتساؤل الذي يطرح ذاته هو، لماذا لا تنشئ مثل هذه البنوك خدمات خاصة للعملاء الذين يريدون التعامل وفق نظم المصارف الإسلامية، وذلك وقوفاً عند رغبة العملاء؟ ولماذا لا تنشئ البنوك الإسلامية لها خدمة وسطاء في سوق الأوراق المالية وتتعامل بأسهم الشركات التي تتفق مع نظامها، فهي ليست ملزمة بالتعامل مع أسهم كافة الشركات. ثم تترك للعملاء حرية الاختيار، حيث إن هناك طلباً كبيراً لخدمات المصارف الإسلامية كوسطاء في سوق الأوراق المالية.
(3) تدني مستوى الشفافية والإفصاح وعدم ظهور المعلومات عن الشركات في نفس الوقت لكافة العملاء، مما يخلق انعدام التكافؤ في فرص المضاربة في الأسهم فيحقق بعض المضاربين أرباحاً كبيرةً دون وجه حق، وذلك بحصولهم على معلومات متسربة من الشركة، وفي الوقت ذاته يخسر الآخرون نتيجة عجزهم عن الحصول على تلك المعلومات المتسربة ذاتها. وهذا ظلم بين لابد من معالجته.
(4) قد ينظر كبار المضاربين والمستثمرين إلى المضاربة في سوق الأوراق المالية والسلع على أنها لعبة كبرى، يلعبها الكبار ويرتزق على هامشها الصغار، غير أن الفوز يظل فيها للأقوى، حتى وإن كانت في ذلك تجاوزات للقيم ولروح القانون ومقاصده، طالما بقيت أنشطتهم في إطار مواد القانون. وقد يكون من المناسب أن نسوق بعض الأمثلة على ذلك ليكون الأمر أكثر وضوحاً. فمن الأمثلة البارزة والمعبرة عن هذه الفكرة المضاربات التي حدثت على أسهم بنك دبي الإسلامي قبل التصريح عن قيام البنك بطرح زيادة رأس المال عن طريق قصر حق الاكتتاب بأسهم جديدة للمساهمين فقط، والتي ألغاها سوق دبي المالي. والحقيقة أن هذا المثال قد يعبر عن حالات شبيهة يصعب ضبطها لعدم توفر الأدلة المكتوبة الدامغة عليها. أي أنه قد يعبر عن ظاهرة سلبية، وليس مجرد حالة منفردة. لذلك لابد من النظر إليها كظاهرة تستحق البحث والدراسة، ومن ثم معالجتها على هذا الأساس. وكذلك ما حدث حديثاً بالنسبة لشركة "إسمنت رأس الخيمة" عندما قررت عدم توزيع أرباح ثم بعد ذلك بأسبوع قررت توزيع أرباح. فأدى ذلك إلى تضرر العديد من المضاربين، وقد اتخذت هيئة الأوراق المالية موقفاً إيجابياً لمعالجة الموضوع. بيد أنه يحدث أحياناً أن تتجاهل الأسواق المالية وكذلك هيئة الأوراق المالية والسلع بعض التصريحات والقرارات التي تصدر، في وسائل الإعلام، من بعض كبار المسؤولين في الشركات المساهمة العامة رغم علمهم اليقيني بمدى خطورة مثل تلك التصريحات على المضاربة في الأسواق المالية، والتي بلا شك تلحق ضرراً بكثير من المضاربين وتحقق مكاسب للبعض الآخر، وخطورتها على الأداء الاقتصادي بشكل عام. فعلى سبيل المثال في بداية مارس عام 2005 قررت إحدى الشركات المساهمة العامة الكبرى في اجتماع الجمعية العمومية توزيع أرباح 13% نقداً و7% أسهم منحة، وهي تعتبر أرباحاً متواضعةً للغاية وغير متناسبة مع مستوى الأداء الاقتصادي العام ولا مع مستوى القطاع الذي تنتمي إليه تلك الشركة. وصرح مجلس إدارة الشركة للمساهمين بأن استراتيجية الشركة تتركز حول تقوية الشركة وتدعيمها لأجل الاستثمار طويل الأجل، وليس قصير الأجل. وعندما سأل المساهمون في الاجتماع عن القيمة الدفترية لأسهم الشركة، كانت الإجابة بأنها