شكّل لقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، مع بعض المسؤولين ورجال الأعمال في جزيرة صير بني ياس، يوم 19 مايو 1993، حيث تم عرض مشروع صندوق الزواج، وحيث وجّه زايد إلى أهمية مشاركة رجال الأعمال في المشروعات الإنسانية والخيرية.. حافزاً مهماً للقطاع الخاص وللأفراد نحو الانطلاق في هذا الميدان.
وتستطيع الدول بالاعتماد على أبنائها، القيام بواجباتها تجاه من تعيلهم، والوفاء بالتزاماتها وإسهاماتها تجاه المجتمع الدولي، لذلك نتطلع إلى أن يرتقي رجال الأعمال والقطاع الخاص لمواكبة الدولة في عطائاتها ومشروعاتها الإنسانية، ولا شك أن القطاع الخاص في دولة الإمارات يتمتع بالمسؤولية والحس الوطني، وبثقافة الشراكة والإسهام في المشروعات الإنسانية.
وقد شكّلت الإسهامات الأخيرة من قبل رجال الأعمال، المواطنين والمقيمين، في مكافحة فيروس كورونا، مشاركة قيّمة ستشجع على تكريس الدور الاجتماعي والإنساني للقطاع الخاص.
لقد انتقلت الإمارات بإسهاماتها الإنسانية نحو أوسع أفق عالمي، بمشاريع كثيرة منها إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال في جمهورية باكستان الإسلامية عام 2014، الحملة التي استطاعت في غضون ثلاث سنوات فقط، تطعيم أكثر من 43 مليون طفل.
المبادرات الإنسانية التي قدمتها دولة الإمارات بسخاء كبير على مدى أربعة عقود، تُوّجت باعتراف عالمي وبحصولها على المرتبة الأولى عالمياً على قائمة الدول الأكثر عطاءً في مجال المساعدات الإنمائية، التي استفادت منها دول كثيرة في مختلف قارات العالم.
وتنسجم الجهود الإنسانية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مع مناشدات بيل غيتس لقادة العالم، على مدار السنوات العشرين الماضية، للاستثمار في دعم وتعزيز صحة أفقر المجتمعات العالمية، حيث بلغت قيمة تبرعات سموه لدعم جهود الصحة العالمية 235 مليون دولار أميركي، منها 167 مليون دولار لجهود استئصال مرض شلل الأطفال.
كما تنسجم جهوده مع دعوة كلاوس شواب، رئيس ومؤسس منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، في أحدث مقالاته التي خص بها «الاتحاد»، وقال فيها: إن كورونا شكّل اختباراً فعلياً لصدقية النظام العالمي، وأشار لأمثلة ومبادرات عديدة من كبريات الشركات والمؤسسات الإماراتية للإسهام في مكافحة الوباء، سواء بالخدمات المباشرة أو بالتبرعات النقدية والعينية، وذكر شواب أن هذه الالتزامات تُعد جزءاً من استجابة ممثلي القطاع الخاص في الإمارات، وعملها مع السلطات المختصة للتصدي للوباء.
كما يقول بيل غيتس، الرئيس المشارك وعضو مجلس الأمناء لمؤسسة بيل ومليندا غيتس، في آخر مقال خص به «الاتحاد» هو أيضاً: «منذ أن أدرك العالم جسامة هذا الفيروس أوائل يناير الماضي، وجّهت حكومات عديدة جل تركيزها نحو ترتيب أولوياتها الوطنية»، ثم يذكر ثلاث خطوات يتعين على دول العالم، وخاصة مجموعة دول العشرين، اتخاذها الآن:
أولاً: التأكد من توظيف الموارد العالمية على النحو الأمثل في مواجهة هذه الجائحة.
ثانياً: إظهار قدر أكبر من الالتزام والمسؤولية تجاه تمويل جهود الأبحاث والتطوير لابتكار لقاحات ناجحة.
ثالثاً: يجب تصنيف اللقاح ضد فيروس كورونا كمنفعة دولية عامة، كي تتوافر للجميع وبتكلفة ميسورة.
وعلى ضوء المواجهة الحالية ضد كورونا، سنشهد تطوراً نوعياً متواصلاً في الشراكة الاجتماعية والإنسانية النبيلة، التي ستكون ذات عائد حضاري وأخلاقي وإيماني كبير، إذ إن «من يتاجر مع الله لا يخيب»، وبعمله تتنزل الرحمة على البلاد والعباد، وقد جاء في حديث الترمذي: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

*سفير سابق