ما يحدث في العالم أجمع، جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، ووصول عدد الإصابات لقرابة المليوني حالة في كل دول العالم، وفي الولايات المتحدة وحدها أكثر من نصف مليون حالة، هو أمر خارج عن المألوف، ويعلن فتح باب الكوارث الكبرى التي سيواجهها العالم في هذا العصر. وما سينتج على أثر تلك الجائحات أو المتغيرات المناخية المتطرفة من أزمات مالية واجتماعية وبيئية وعسكرية، سيفرض- حتماً- خريطة عالم جديد غير التي خطط لها. وما هو قادم، لن يكون أقل وطأة وتأثيراً في إحداث نقلات جذرية في خريطة التفاعل البشري والاستغلال الأمثل للموارد.
ففي دول العالم المتقدم، التي تعد من دول النخبة في العالم طبياً، ومن ناحية الأمن الصحي الوقائي، كان السقوط الكبير لنظمها الطبية، ووصول حالات الوفاة والإصابات اليومية إلى أرقام مهولة، ونقص دوائي وفي التجهيزات الصحية، أمر قد فاجأ العالم كله، إضافة إلى هوس شعبي بفقدان السيطرة من قبل الحكومات، التي كانت ترسل رسائل تفاؤل مبالغاً فيها، ومخالفة للواقع الذي يتحدث عنه الخبراء في الميدان. وبسبب تلك الفجوة بين الطرفين والثقة الزائدة، انطلاقاً من الأمور تحت التحكم والسيطرة، وقعت تلك الحكومات في شرك وفخ التضليل الذاتي، واللجوء لإدارة أزمات ردة الفعل المتأخرة، بعيداً عن الفكر الاستباقي والاحترازي، وعندما قررت تلك الحكومات التدخل، كان الوقت قد فات، وانتشر الفيروس بصورة كبيرة.
ففي مجال الصحة العامة في دول الخليج العربي، ولكي يتم منع انتشار الفيروس التاجي، وتسطيح منحنى الانتشار، وحتى لا تكون المستشفيات الميدانية منتشرة بكل الأحياء والمدن، لابد من الحد من مخاطر التجمعات العمالية الكبيرة وأحياء العزاب في العمارات السكنية المزدحمة وتنقلاتهم والتنقل بين المدن. ولأن بعض المدن هي مراكز لوجستية مهمة للمواد الأولية للسكان، وخاصة المعيشية اليومية، فإن ذلك قد يتطلب ما يسمى بحجر الجموع أو الحجر العام، الذي يشل الحركة لمدة معينة، مع السماح بتحرك أصحاب المهن التي تعد حيوية لمكافحة الجائحة، مستخدمين كافة وسائل الحماية الشخصية والممارسات السليمة، لمنع انتشار المرض، أو إصابة أحد بالعدوى، بجانب استراتيجية التمكين الوقائي، والتي لا تعترف بالإجراءات التدريجية، وكلما استعجلت الدول في تطبيق نظام الحجر العام الكلي، كان وقف الفيروس من الانتشار أسرع.
فمعدل التكاثر الأساسي - وبعبارة أخرى، كم عدد الإصابات الجديدة التي ستولدها كل حالة يحتاج لمنع الناس من الاختلاط الكلي والحد منه بقدر الحاجة، وتلبية احتياجاتها الأساسية، كأن يكون في كل أسرة شخص أو شخصان يسمح له /أو لهما، بمغادرة المنزل. كما أن الوظائف الأساسية، كالمهن الأمنية والعسكرية والصحية، يصعب عليها أن تتصرف، وكأن ليس هناك جائحة، وتقوم بتدريباتها ودوراتها الاعتيادية ولا تحد من التجمعات، حيث إنه كلما قلصنا مجموعة الأشخاص المعرضين للإصابة مع زيادة المناعة، سينخفض حتماً عدد الأشخاص المعرضين للإصابة إلى النقطة التي ينخفض ??فيها معدل التكاثر إلى أقل من1. ويتوقف انتشار الفيروس، وهو سبب كافٍ لمراقبة حركة الأفراد والحد منها من خلال فرض العزلة الذاتية، وتقييد التجمعات العامة، وتتبع الاتصالات من الحالات القائمة، وعزل أولئك الذين يعانون من الفيروس والمخالطين لهم، وتثقيف الجمهور بشأن الممارسات والأنماط الحياتية الصحية المأمونة.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.