بعد إعلان الصين عن احتوائها للأزمة من دون أن تحتاج لأحد، بينما تتوسل الدول الديمقراطية الغربية مثل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في الحصول على أقنعة وأجهزة التنفس، يتساءل الكثير هل الصين نجحت بما لم تنجح به الدول الديمقراطية وهل ستحل الصين محل الولايات المتحدة كزعيمة للعالم؟
وعلى الرغم من المحاولات باستخدام الأزمة لتحديد من هو الأنموذج السياسي الأفضل، لكن ما كشفته أزمة كورونا أن نجاح إدارة الأزمة ليس له علاقة بنوعية النظام بقدر مدى ثقة ورضا الشعوب بحكوماتها.
ففي كل من سنغافورة وكوريا الجنوبية نجد أن الدولتين أدارتا الأزمة بنجاح وفي الوقت نفسه تمكنتا من جعل مواطنيهما يلتزمون بالحجر الصحي بالإقناع وليس بالقمع نتيجة إلى الثقة المتبادلة بين الشعب والدولة، ما أدى إلى احتواء الفيروس قبل أن ينتشر على نطاق واسع. وعندما حاولت هونغ كونغ اتباع استراتيجية بعض جيرانها نفسها، واجهت إضراب الممرضات ومعارضة عنيفة للحجر الصحي والسبب لأن الحكومة تعاني من عدم الثقة بنسبة 60% تقريباً من الشعب.
أما تفاقم أزمة كورونا في العديد من الديمقراطيات في الغرب فتعود إلى عدة أسباب منها، الاستقطاب السياسي وثقة المواطنين بحكوماتهم ضئيلة. فثقة الإيطاليين بحكومتهم تقترب من هونغ كونغ وحتى مع الغرامات العالية على خرق نظام الإغلاق، استمرت الحركة بنحو 40% من المستويات الطبيعية. وبسبب هذه الثقة المتدنية بالحكومات، فمن غير المستغرب تجاهل العديد نصيحة حكوماتهم في التباعد الجسدي الذي أدى إلى انتشار الفيروس بشكل مريع.
وفى الولايات المتحدة، نسبة الثقة بين الحكومة والشعب انخفضت من 75% في الستينيات إلى أدنى مستوى تاريخي يبلغ 17% اليوم. إضافة إلى ذلك، الاستقطاب السياسي بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» وصل للذروة وأدى إلى الانقسام الكبير حتى في مواضيع تتعلق بالصحة والأوبئة. فقد وجدت دراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث 12% من «الديمقراطيين» فقط يعتقدون أن الرئيس ترامب يقوم بعمل جيد في التعامل مع أزمة كورونا، في حين 82% من «الجمهوريين» يقولون ترامب يقوم بعمل جيد للغاية.
أما ما اتضح في دول الخليج ليس فقط الثقة بل التناغم الاجتماعي بين الشعوب والحكومات، والتي كانت متمثلة بكلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، «لا تشلون هم» التي تعكس رؤية تؤكد الحرص والتفاعل مع المواطنين. ووفقاً لنتائج «مؤشر إيدلمان للثقة 2020» تصدرت الإمارات دول العالم في مستويات ثقة الشعوب بحكوماتها المحلية بنسبة 83%، فيما جاءت السعودية في المركز الثالث بعد الهند بنسبة بلغت 77%.
إن أزمة كورونا قد تجعلنا أمام صيغة جديدة وعدة نماذج للديمقراطية لا تحاكي بعضها بعضاً تقاس بمدى ثقة ورضا الشعوب بحكوماتها، لذلك على النظم الديمقراطية والتيارات اليسارية الغربية قبل التنظير على الدول الأخرى أن تراجع ثقة ورضا شعوبها بها.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي