لم يتوقع أحد أن فيروساً مجهول المصدر والشكل واللون والجنس، يهزم العالم بهذا الشكل المرعب وغير المسبوق خلال أسابيع فحسب. ومع تفشي جائحة كورونا، انهارت كثير من المنظومات الصحية والمؤسسات الطبية بشكل مفاجئ وسريع، وتلاشت الخبرات وتبخرت المؤهلات المتخصصة في الأمراض المعدية، لعدم قدرتها على الصمود والتصدي لهذا الوباء، رغم الاستنفار لمواجهته، واحتواء تداعياته الخطيرة والمقلقة التي هزت العالم بأسره، بل هزمته بشكل صادم للغاية، ولم يسبق له مثيل منذ وباء الطاعون قبل مئات السنين، وذلك رغم التطور الطبي والتقني الهائل، ما جعل الدول الكبرى المتقدمة تستنجد بالأقل منها قوة وخبرة، تستورد منها لسد حاجتها الماسة للمواد الصحية والوقائية التي نفدت من المستودعات خلال أيام، جراء هذا البلاء الذي غزا البشرية وعصف بخبراتها ومختبرتها العالمية المتطورة، والتي وعجزت عن تشخيص المرض، وإيجاد الدواء الناجع لعلاجه أو الوقاية منه.
ويتساءل المتابعون: كيف لهذا الفيروس الذي لا يُرى ولا يُعرف، أن يهزم هذه الدول الكبيرة والمتطورة وإمبراطوريات صناعة القرار العالمي، السياسي والاقتصادي والعسكري والتقني؟ إنها بالفعل دول كبرى غزت بصناعاتها أصقاع المعمورة، ووصلت أعمال البحار والمحيطات والفضاء الخارجي، وأنتجت من التقنيات الدقيقة والأسلحة الذكية ما يبهر الخيال، بما في ذلك البوارج والفرقاطات البحرية والطائرات الحربية المقاتلة التي لا يراها الرادار، والصواريخ بعيدة المدى التي سبق لأحدها أن قتل الفنانة التشكيلية (ليلى العطار) من خلال نافذة منزلها، وهي نائمة بعد منتصف الليل، ومن على مسافة 10 آلاف كيلومتر.. وكذلك القنابل العنقودية الذكية التي تطلق من بوارج في عرض البحر لتقضي على البشر المحتمين بالملاجئ تحت الأرض.. وأجهزة الكمبيوتر الدقيقة جداً والقادرة على جمع إحصائيات البشر وأنواعهم وأشكالهم ومكان سكنهم وعملهم وجنسياتهم وأنسابهم ودياناتهم وميولهم السياسية والفكرية.. وأجهزة الموبايل التي تسجل صوت صاحبها وتحركاته وترصد مكانه بالصوت والصورة، وتحسب دقات قلبه وترصد نواياه، حتى وهي مغلقة ومفصولة عن نقطة الكهرباء.. والكبسولة التي تدخل في أحشاء الشخص وتصور تفاصيل أعضائه ثم ترسل تقريراً طبياً حول مدى قدرته على الإنجاب!
إذن، هل نصدق أن هذا الفيروس القاتل السريع، والذي يستهدف الرجال بالأساس، وكثيراً ما يقضي على ذوي الأعمار المتقدمة منهم، هو مرض عابر للقارات عبر الهواء والفضاء، يصطاد فقط الرجال البالغين بدقة متناهية، ويقضي عليهم، ودون أن يُعرف مصدره وهويته وفترة مكوثه وموعد نهايته، وأين يتموضع ويعيش ويتكاثر؟!
أسئلة كثيرة ومعقدة شغلت العديد من البشر الذين باتوا في حالة اعتكاف وتقوقع داخل منازلهم، ينتظرون رحمة الله، وفرجه على قدر انشغالهم بالبحث عن مواد التعقيم والمضادات الطبية، وبالبحث عن فيتامين «سي» الذي فُقد من الصيدليات للتصدي لهذا الضيف غير المرحب به، وغير المؤسوف على رحيله إذا رغب وانتهت مهمته التي لا يعلم أحد متى ينتهي وقتها.. لقد جعلنا نهرب من أعمالنا ونتجنب أمكنة لقاءاتنا وتجمعاتنا، إلى زوايا ضيقة ومظلمة لم نرغب في المكوث بها طويلاً، لعدم قدرتنا على المقاومة والصمود والتصدي لمنغصات أخرى داخل البيوت، والله المستعان، وهو أعلم العالمين بالحال!

*كاتب سعودي