عنوان هذه المقالة فرضه بحث نخبة علماء منشور في مجلة العلوم العالمية «نيتشر» Nature يذكر أن الناس يكونون مُعْدين جداً في الأسبوع الأول من التقاطهم الفيروس، عندما لا تظهر عليهم أعراضه بعد. آنذاك يتحرك الفيروس كقاتل صامت، وأفضل طريقة لتجنبه ارتداء كمامة، وترك مسافة عن الآخرين. والمشاركة العامة للناس حاسمة، حيث كشف البحث أن استخدام نصف السكان للكمامة ينقص عدد المصابين بنسبة النصف، ويقُضي على الوباء إذا ارتفعت نسبة مستخدمي الكمامة إلى 80?. ولا يرى العلماء حاجة لارتداء القناع الطبي المصمم لحماية الأطباء خلال قيامهم بالعمليات الجراحية، والذي يشحُّ حالياً وجوده حتى في المستشفيات، بل يمكن برأيهم أن تحقق ذلك كمّامات منزلية الصنع، وحتى تغطية الفم بمنديل سميك قد يحول دون تسلل 99? من اللعاب الذي يتطاير مع الكلام أو مع الأنفاس. ويذكر العلماء أن مَن لا تبدو عليه أعراض المرض قد يُعدي الآخرين بمجرد الكلام. ويمكن أن توقف كمامة بسيطة قطرات فتاكة لا تُرى بالعين من لعاب المتكلم قد تتطاير أبعد من مسافة مترين المقررة.
وتتحول الكمّامات من موضوع للسخرية والهزء إلى هدف صراع عالمي، حتى بين الحلفاء. «ترودو» رئيس وزراء كندا، يهدد باتخاذ إجراءات مقابلة بعد حجز الرئيس ترامب شحنة كمامات مرسلة إلى أطباء كندا، ويحذر من إيقاف آلاف الممرضات الكنديات اللواتي يسافرن يومياً إلى الولايات المتحدة للعمل في ديترويت.
والوضع العالمي الراهن يُعّقد كل شيء، ولا مكان فيه لرأي قاطع أو رأي نهائي مريح، ويتحدى على الصعيد العلمي والسياسي القدرة البشرية على التفكير. والصدعُ كبير بين ما يكشف عنه البحث العلمي، والإجراءات التي تتخذها السلطات، حيث يرى العلماءُ الكمامة سلاحاً فعالا في الحرب ضد الوباء الفتاك، ويعتبرون حتى الكمامات غير المشدودة تماماً حول الوجه أكثر فعالية من التباعد. لكن «منظمة الصحة العالمية» التي تؤكد على العناية بغسل اليدين، وإجراء الفحوص الطبية، متلكئة ومبهمة عند الحديث عن الكمامات، حيث تشكك بالحاجة لارتدائها، إلا إذا كنت مصاباً فعلاً. وتغفل المنظمة عدم ظهور أعراض المرض على كثير من المصابين، ودور الكمامات في تغلب الصين وكوريا الجنوبية على الوباء.
وارتداء الزعيم الصيني «شي جين بينغ» الكمامة علامة فارقة للديمقراطية الشعبية عن ديمقراطية الغرب. هل يمكن تصور ترامب بالكمامة، أو بوريس جونسن أو ماكرون أو حتى المستشارة الألمانية ميركِل. ربما سبب ذلك أن «تقاليد كمامة الوجه شائعة في الشرق وجديدة في الغرب»، حسب عنوان تقرير لـ«صوت أميركا» ذكر أن هذه الكمامات تستخدم على نطاق واسع في كوريا الجنوبية والصين عند هبوب رياح غبارية أو ملوّثة بدخان المصانع، ويشيع استخدامها بين طلبة كوريا واليابان لإخفاء الوجه وعدم جلب انتباه الناس، وهي جزء من «ثقافة المظهر»، خصوصاً لدى الفتيات حال عدم تجميل وجوههن. لكن لا ذكر في تقرير «صوت أميركا» لارتداء نساء العرب النقاب والبرقع، وارتداء رجالهم للكوفيات التي يتقنّع بها البدو عند هبوب الرياح الرملية، وقد تستلهمها قريباً دُور الأزياء العالمية في تصاميم جديدة خلال الوباء.
وأول أمس وجدتني كما في قصيدة الشاعر «تي إس إليوت» عن «معتوه يهزُّ وردة حمراء يريدها أن تنطق». كنت الوحيد في حانوت بلدتي مرتدياً كمامة في صف الانتظار الطويل، الشائع حالياً في بريطانيا، وطلب مني بوّاب الحانوت تخطي الصف، والدخول. عدد الوفيات بفيروس كورونا في بريطانيا حتى كتابة هذه الأسطر بلغ 6159 والمصابين 55242، لكن الفكرة السائدة تعتبر المرضى فقط يرتدون الكمامة، وقد عاملني الجميع بلطف داخل الحانوت، مع احتفاظ الإنجليزي المهذب بمسافة أكثر من المترين عني!

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا