يمكن القول بأن ترامب يمر بأصعب اختبار سياسي في مجمل التاريخ الأميركي، فمنذ توليه سدة الرئاسة، يلاحقه «فيروس» التدخلات الروسية في الانتخابات السابقة، وذهب في هذا الطريق ضحايا أدراج الرياح من المسؤولين المقربين من الروس وغيرهم. ولكن ترامب ماضٍ في قيادة الديمقراطية الفريدة في بلده، وليس بالضروة تصديرها للدول الأخرى لأنها ليست سلعة، بل أسلوب راق في إدارة الدولة العميقة لا تباع ولا تشترى، بل تصنع صناعة خاصة.
«الفيروس» الآخر الذي كاد أن يودي بحكمه، بعد أن استطاع اكتشاف المصل السياسي المضاد لـ«كورونا» الروسي، وقع في فخ العزل الديمقراطي وقد تحرك القطار في ذلك الاتجاه، إلا أن فيروس «كورونا» الحقيقي أخّر القطار إلى وقت غير معلوم؛ لأن القضايا السياسية أوقاتها في الغالب غير دقيقة ولا منضبطة. ترى هل ينجح ترامب في هذا الاختبار الثالث، وتصبح الثالثة مثبِّتة لحكمه؟
لن نقطع في الأمر، لأن الوضع على الأرض قد يتغير في اليوم الأخير للانتخابات، كما وقع لهيلاري قبل أربع سنوات، مع أن معظم المحللين الكبار قد أجزموا بفوزها.
يبدو أن «كورونا» سيكون له دور ما في الفوز، وفقاً لحسن تعامل ترامب مع هذا العامل المستجد والطارئ ليس على أميركا، بل على قرابة 160 دولة على مستوى العالم.
في البداية كان ترامب مستهيناً بالفيروس، وعند اكتشاف أول حالة في كاليفورنيا انزعج كثيراً، فصرح بملياري دولار لغرض اكتشاف المصل والبحث العلمي في المختبرات. ولم يقنع هذا المبلغ الزهيد «الديمقراطيين»، فبضغط من بيلوسي وهي تُعد، لدى البعض «تاتشر أميركا»، أو كما سميت بالمرأة الحديدية، ضاعف ترامب المبلغ إلى أكثر من أربعة أضعاف لتصل إلى قرابة 8.3 مليار دولار. من ناحية أخرى لم توقف حمى «كورونا» حماس «الثلاثاء الكبير، فقد نال «جو بايدن»، ثقة الناخبين في ولايات فلوريدا وأريزونا و ميسيسيبي وميسوري وميشيجان وفيرمونت. وبعد سلسلة الانتصارات يمد بايدن المرشح «الديمقراطي» المحتمل للانتخابات الرئاسية يده إلى ساندرز، ليقول له إن باستطاعتهما العمل معاً لإنزال الهزيمة بترامب في انتخابات نوفمبر. بالإضافة إلى هذا التعاون المشترك، عاد شبح «الفيروس» الروسي مجدداً إلى الساحة الأميركية بعد أن ذهب في خبر كان. فقد أشارت الـ«NYTimes» إلى أقوال بعض المسؤولين في الاستخبارات الأميركية، يزعمون أن روسيا «تحاول التحريض على العنف» في جماعات «العنصريين البيض» لبث «الفوضى في الولايات المتحدة، قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل».
ويشير الكاتب «Ross Douthat» في مقاله بـ«NYT» بعنوان «فيروس كورونا قادم لرئاسة ترامب»، إلى عدم نجاح إجراء منع السفر للصين الذي اتخذته إدارة ترامب للحد من انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة. مضيفاً أن ذلك من الممكن أن يدمر جهود إعادة انتخاب ترامب، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هناك فرصة لنجاح الجهود الحكومية والمحلية لاحتواء كورونا، عبر تضافر القيادة والشعب، أملاً في الحد من نتائج الفيروس الحتمية.
ومع تزايد حالات «كورونا»، تصرف ترامب بكل جدية، فقفز إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد، مع القيام بضخ قرابة 50 مليار دولار في شريان الحكومة، بل وعد بتعويض المتضررين كذلك، وقد بلغت حزمة المبالغ المخصصة لإنقاذ الاقتصاد قرابة تريليوني دولار.
لعل فيروس «كورونا» يتحول إلى قارب نجاة للعبور به إلى فترة رئاسية ثانية، بعيداً عن صوت قرقعة المحاكمات وصدى العزل و«فيروس» روسيا مجدداً.
*كاتب إماراتي