يبدو السوريون اليوم في أسوأ حالات الحرج السياسي؛ فهم يعانون من تداعيات المشكلات الإقليمية التي انعكست عليهم دون إرادتهم، وقد وجدوا أنفسهم منقسمين في آرائهم وتوجهاتهم، مضطرين أو مختارين، بحسب التوزع الجغرافي للمشكلات القائمة بين الدول، ولاسيما مجموعة (أصدقاء سوريا) ولسوء حظهم، لم يتفق الأصدقاء على مدى السنوات الماضية على رؤية واحدة للحل، وعلى الرغم من أن كل المؤتمرات التي عقدت كان شعارها توحيد المعارضة، لكنها لم تشهد توحيد الرؤية الدولية للحل، وإنْ قيل إن القرارات الدولية التي أصدرها مجلس الأمن ولم تتعرض لـ«الفيتو» عبرت عن موقف دولي جماعي، فإن تعطيل تنفيذ هذه القرارات، وأهمها 2254 المستند إلى بيان جنيف، يؤكد أن الرؤية الدولية لم تكن واحدة، حتى في النوايا، وقد جرت محاولة نسف مرجعية جنيف، وإحلال مرجعيات بديلة في آستانة وسوتشي، ولم تحقق ما أنشئت من أجله، ولم تنجح المصالحات التي أفضت إليها في حوران مثلاً، حيث تشتعل صراعات جديدة اليوم، بسبب عدم الوفاء بالالتزامات، ولا أستبعد أن تكون روسيا نفسها مستاءة من فشل التجربة، ومن تنامي النفوذ الإيراني ومشجعيه، لكنها لاترغب بإعلان ذلك.
ويجد السوريون أنفسهم مشتتين في رؤيتهم وتطلعهم إلى العاصمة التي سيأتي منها الحل، وقد سبق أن تطلعوا إلى موسكو، باعتبارها صاحبة القوة والقرار في سوريا، وقد زارت عدة قوى معارضة روسيا، وأجرت حوارات شاملة، وكان الروس يريدون أن تقبل المعارضة التشاركية في تكوين حكم جديد غير طائفي، ووافقت المعارضة على ما تمت تسميته (هيئة حكم انتقالي) تشاركي مع من لم يرتكبوا جرائم ضد الشعب، وهذا ما حدده القرار 2254، لكن روسيا لم تدفع باتجاه تنفيذ هذا القرار، وحين وقفت واشنطن في حالة التخلي، أو لنقل الحياد، تمكن بوتين من إقناع ترامب بأن الحل بسيط، وهو تشكيل لجنة تضع دستوراً، تليه انتخابات، ولم يتحقق ذلك، وشعرت المعارضة أن انتظار الحل من موسكو سيطول كثيراً، فأعادت التوجه إلى واشنطن التي يدرك السوريون أن فيض تصريحاتها لا يزال أكبر بكثير من أفعالها في الساحة السورية.
كانت المعارضة السورية في سنواتها الأولى، قد اتجهت إلى مصر وإلى الرياض، وعقدت الأمل على التدخل العربي سياسياً، لكن العين السورية بقيت متعلقة بالرياض التي حملت المسؤولية منذ بداية المأساة، يداً بيد مع دولة الإمارات، وكانتا الدولتين الراعيتين- برحابة - لمؤتمر الرياض الأول، الذي مضى في مباحثات جنيف المتعددة الجولات، ولكن دون الوصول إلى تفاوض مباشر، أو دخول في جوهر القضية، لأن روسيا رأت أن وفد الرياض لايمثل المعارضة كلها، وطلبت إدخال منصتي القاهرة وموسكو في مؤتمر الرياض الثاني.
واليوم، تسيطر حالة عطالة كبيرة في المشهد السياسي السوري، ولاسيما بعد أن اضطرب وضع هيئة التفاوض مؤخراً، وباتت الهيئة شبه منقسمة، وأما الائتلاف فقد ضعفت فاعليته، وباتت قوى المعارضة في حالة وهن لايمكنها من متابعة قدرتها على تمثيل ملايين السوريين الذين ينتظرون حلاً، ومن سوء الحظ السوري انشغال العالم كله، في هذه الآونة، بقضية وباء كورونا الذي احتل كل الأولويات عند دول العالم.
وأما السوريون في الداخل والخارج، فهم لا يزالون في حالة ترقب وانتظار لحل ينهي مأساتهم، ولاسيما بعد تفاقم معاناتهم الإنسانية والاقتصادية والأمنية، وأخيراً الصحية، وأرجو ألا يغيب أهلنا العرب عن دور عظيم بدؤوه قبل سنين، وهم الأجدر بأن يلموا شمل المعارضة المشتت، وأن يسهموا في بناء جسم سياسي ناضج، قادر على تحمل مسؤوليات المستقبل، ولابد من تذكير الدول الصديقة بأن تشكيل هيئة حكم انتقالي، أمر لا مهرب منه.
* وزير الثقافة السوري الأسبق