في تغريدة نالت شهرة كبيرة على «تويتر»، قالت باحثة بيولوجية إسبانية: «تمنحون لاعب الكرة مليون يورو في الشهر، وباحث البيولوجيا 1300 يورو، ثم تبحثون لديه عن علاج لكورونا!.. اذهبوا إلى لاعب الكرة ليجد لكم هذا العلاج».
ويقول الكاتب نبيل عمر في مقاله «الكورونا وعصر التفاهة»، إنه أجرى في عام 1990 حواراً مع الأديب الدكتور يوسف إدريس بعد صعود مصر إلى نهائيات كأس العالم، ومما قاله الأديب إدريس معلقاً على موضوع الساعة في حينه: «ضربة رأس من لاعب كرة أحسن وأهم من كفاح الدكتور طه حسين، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ».
ويقول الشاعر فاروق جويدة: «كنت برفقة الأديب توفيق الحكيم وصادفنا لاعب كرة مشهور يريد دخول الجريدة، والناس الموجودون في المكان ملتفون حوله، فقلت لتوفيق الحكيم: أنت أديب مشهور في العالم العربي، لماذا لم يعرفك أحد من هؤلاء الناس؟ فقال معلقاً: هذا زمن الأقدام وليس زمن الأقلام».
نعم، يعيش العالم عصر التفاهة، حسب الكاتب نبيل عمر، الأمر الذي جعل من لاعب الكرة والمطرب أغنى وأشهر من أهم علماء العالم وباحثيه، كما جعل لاعب الكرة والمطرب على رأس اهتمامات الشعوب في معظم أنحاء العالم. ويتابع كاتب نبيل عمر في مقاله: «ما يكسبه 30 لاعباً من اللعب في أي ناد بالدوري الممتاز، قد يكون أضعاف ما يتقاضاه علماء المركز القومي للبحوث من العمل الشاق، وجميع أساتذة الهندسة بجامعات القاهرة، وعين شمس والإسكندرية. وهذا التقدير المادي يفسر لنا تكالب الأهالي بجنون على إلحاق أولادهم بأكاديميات كرة القدم ومسابقات الغناء والرقص أكثر من اهتمامهم بدراسة الهندسة والعلوم والفلسفة والطب ومعارف التكنولوجيا الحديثة. هذا العبث جعل الإنسان العربي يتخلف عن الآخرين ولا يقدر على النهوض والتقدم والمنافسة».
وللدكتور محمود حمدي زقزوق، أستاذ الفلسفة الإسلامية ووزير الأوقاف المصري الأسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، كتاب مهم بعنوان «الفكر الديني وقضايا العصر»، يحدثنا فيه عن الأسباب التي جعلت العربي المسلم يتخلف عن الآخرين، ويقول: «إن جميع زعماء الإصلاح في العصر الحديث اتفقوا على ضرورة فهم الدين على أنه دين محرك للحياة بكل أبعادها». ثم يؤكد مبدأ الاجتهاد، لاسيما الاجتهاد في العلم، والذي من شأنه أن «يفتح لهذه المجتمعات العربية المسلمة فتحاً جديداً للنهوض والتقدم والمنافسة، خاصة في مجال التقنية». ولعل هذا ما جعل محمد إقبال يصف الاجتهاد بأنه الحركة المحركة في تاريخ الإسلام. فالاجتهاد عملية مستمرة على مدى الدهر وليست خاصة بفترة زمنية معينة. لذلك فالفقهاء، كما يقول الدكتور زقزوق، مطالبون في كل العصور بالاجتهاد وإعمال وسائله دون توقف. أما إغلاق باب الاجتهاد فـ«يعد إغلاقاً لرحمة الله وللعقول ومصادرةً لحقها في الفهم والتفكير، ويعني ترك الأمور للتقليد». ويتابع زقزوق: «لقد أراد لنا الإسلام أن نمارس الاجتهاد لنواكب متغيرات العصر. إن الاجتهاد في عصرنا الحاضر هو الفريضة الغائبة، وممارسة الاجتهاد أصبحت فرض عين على كل مَن لديه المؤهلات التي تساعده».
وكان الإمام الشافعي صريحاً في هذا الأمر عندما استقر به المقام في مصر، حيث غيّر الكثير من فتاويه وآرائه التي كان يقول بها وهو في بغداد، ويُنقل عنه قوله المشهور: رأيُنا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.

*كاتب إماراتي