تبدو مقاربة في غاية الرعب، تلك التي أطلقها الطبيب العام الأميركي «جيروم آدامز»، بين هجومي بيرل هاربر 1941، و11 سبتمبر 2001، وبين مآلات تفشي فيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض «كوفيد- 19»، وهو يتحدث عن أسبوع آلام مقبل، ستعيشه الولايات المتحدة، محذراً من أنّ «الأسوأ لم يأتِ بعد»!
بدا الرجل الواقف إلى جانب رئيسه دونالد ترامب في مؤتمره الصحفي اليومي، الأحد الماضي، وكأنه يتحدث عن هجمات إرهابية، ستكون نتائجها «الأكثر حزناً في حياة معظم الأميركيين». الحدث الأول أرغم واشنطن على دخول الحرب العالمية الثانية، ثم الهجوم النووي بعد أربع سنوات على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، فيما حرّكت قوتها العسكرية إلى أفغانستان، ورفعت شعار «الحرب على الإرهاب»، بعد تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك، قبل 19 عاماً.
المقاربة لا تذهب إلى أعداد الضحايا، ولا إلى السياقات التاريخية، وقطعاً لا شأن لها بالدوافع. في «بيرل هاربر» هاجمت اليابان ميناءً عسكرياً، وقتلت نحو 2400 جندي، وذهبت اعتداءات 11 سبتمبر بـ 2977 شخصاً، وحصيلة الهجومين أكثر قليلاً من نصف الوفيات التي أوقعها تفشي «كوفيد- 19»، وقد زادت على 10 آلاف.

أسهل ما يمكن أن يقال إزاء ذلك، هو الارتباك الشديد، الذي طبع أداء الإدارة الأميركية، منذ شنّ «العدو» الجديد هجماته في نيويورك. فلم يعد ممكناً التقليل من حجم الكارثة، ولا إشاعة التفاؤل في أوساط الأميركيين. العدو يضرب الولايات المتحدة كلها. وبعد أربعة أسابيع من التردد في نوع المواجهة وحجمها، رسم الفيروس مثلث رعب حقيقي، أضلاعه ولايتا ميرلاند وفيرجينيا، والعاصمة واشنطن، على مرمى النظر من «البنتاغون»، ومراكز الفيدرالية الأميركية الرئيسية.

البوارج والسفن العسكرية، تحركت إلى الداخل في العام 2020. إلى نيويورك، وإلى ولايات في الوسط والغرب، وعوضاً عن جنود «المارينز»، والقاذفات في حروب أميركا الكثيرة، ينتشر الأطباء والممرضون، حاملين الأدوية، وأجهزة التنفس الصناعي، وقد ضغط «العدو» على ترامب لفتح مستودعات الاحتياطي الاستراتيجي، والإصغاء إلى أقصى ما في التشاؤم من حدة، بغضب مكبوت، على مسمع من شعب واثق بقوة بلاده، وعدم حاجته إلى غيرها، ولم يكن مستغرباً أن تظهر دراسة أميركية، العام الماضي، أنّ 40% من المستطلَعين، لم يغادروا الولايات المتحدة في حياتهم.
غير أن المقاربة المرعبة للطبيب العام، ليست وحدها، التي تؤشر إلى صعوبة هذه الحرب الخفية على الأميركيين، فقد سأل صحفي الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المركز الأميركي للأمراض السارية والمعدية: متى ينتهي هذا الأمر؟ فأجاب: «لن ينتهي قبل إنتاج اللقاح والدواء»، وهما سلاحان، لا يتوفران حتى الآن في مستودعات الولايات المتحدة، ولا في أي مكان في العالم.
كل ما أمكن لا يتعدى اللجوء إلى أسلحة مقاومة، أو مؤقتة، أو قديمة، لم تثبت فعاليتها، وغير قادرة وحدها على حسم المعركة في شهور قليلة، وإبطاء تفشي الوباء، مثل أجهزة الكشف عن الفيروس، وزيادة إنتاج وحدات التنفس الصناعي، وأخيراً العودة إلى عقار «هيدروكسي كلوروكين» لعلاج فيروسات الملاريا، واستخدامه لمرضى «كورونا»، بما يشبه اليأس من تحقيق اختراق طبي سريع، وسط شكوك أوروبية في نجاعتها، وتحذيرات طبية أميركية، بلغت مستوى السخرية من تجريب دواء، يعود إلى عام 1955، دون ما يكفي من أدلة، تؤكد قدرته على التصدي للفيروس المستجد.

هل هو «إرهاب كوفيد- 19»، الذي بات على الأميركيين توقع مزيد من ضرباته وضحاياه، هم والعالم بأسره؟ ربّما يبدو إيقاع التعبير مفيداً لإدارة ترامب، ويشكل سلسلة من الذرائع لقواعده «الجمهورية». لكنّ الأمر مختلف بالنسبة للعلماء والأطباء، وهم حين يقارنونه بهجمات إرهابية، فذلك، لتجنيد نحو 330 مليون أميركي في حرب، ربما لن تضع أوزارها، قبل نهاية العام المقبل.

* صحفي أردني