وقفت باحثة إسبانية في مدريد وهي تشعر بآلاف الإصابات وحالات الوفيات بفيروس كورونا، في دور المسنين والمستشفيات، لتصبح إسبانيا الثانية بعد إيطاليا في أوروبا من حيث قوة انتشار الوباء.. وقفت تلك السيدة لتجيب عن سؤال صحفيّ: متى يمكن أن نحصل على دواء أو لقاح لفيروس كورونا؟ فردت عليه: اذهبوا إلى رونالدو وميسي واسألوهما عن الدواء، فأنا باحثة مخبريّة مرتبي بسيط لا يتجاوز الألفي يورو (= ثمانية آلاف درهم إماراتي). ومعلوم أن لاعبي الكرة البرتغالي كريستيانو رونالدو والأرجنتيني ليونيل ميسي، يُعدَّا الأشهر في عالم الرياضة، يتقاضى الأول مرتباً شهرياً قدره 17 مليون يورو، أما الثاني فيتقاضى شهرياً 12.5 مليون يورو (= 354 مليون يورو سنوياً). رسالة الباحثة جاءت بقدر ما جاءت قوية ومؤلمة، كانت حزينة، تذكّر بمثل قديم يجده الشخص في التراث العربي، يقول (من لم يروّض خيلهُ أيام الرخاء لا يفيده عسفها ساعة الغارة أو الشّدة). الباحثة الإسبانية التي رمزت إلى النظام الصحي في عموم القارة، أرادت إيصال رسالة لكافة بلدان أوروبا وليس لإسبانيا، بأن اذهبوا إلى حيث استثمرتم أموالكم علّكم تجدون ما تحتاجونه، ولا تأتوا إليّ اليوم بعد كل هذا الوقت من النسيان، وتطلبوا مني أن أجد لكم دواءً ضد الوباء.
في بريطانيا، وزير الصحة (مات هانكوك) في مؤتمره الصحفي يوم الخميس الماضي، طالب بقوله إن كل شخص عليه القيام بدوره في مكافحة فيروس كورونا، بما فيهم الرياضيون لاعبو الدوري الإنجليزي الممتاز، وأول ما يتعين عليهم فعله هو تخفيض رواتبهم. وما أن طيّرت وسائل الإعلام التصريح المتفائل لوزير الصحة، حتى بدأت المحادثات بين مسؤولي اتحاد اللاعبين المحترفين والروابط المُشرفة على تنظيم مسابقات الدوري، حول المسألة، لكن المحادثات أخفقت ولم تصل إلى اتفاق مع لاعبي الكُرة، حول الخفض كبادرة إنسانية وواجب مجتمعي قد تستفيد منه جزئياً الجهات الصحيّة لمكافحة الوباء. وجاء في خبر لوكالة (فرانس برس) رفض الروابط الرياضية الإنجليزية مجرد (سماع دعوات تخفيض الرواتب) ما أعطى رسالة أن مرتبات اللاعبين هي خط أحمر ممنوع الاقتراب منه. وشكّل هذا السلوك، غير المتوقع، أزمة أخلاقية، فهؤلاء اللاعبون لا يرون حتى في أوقات الشدةِ سوى مرتباتهم (غنائمهم) التي حصلوا عليها في أوقات الرخاء، فوحدها المرتبات يجب حمايتها من أن تمس.
وبصرف النظر عما كشفته هذه المسألة، فقد جوبهت- وعلى نحو تلقائي بالاستنكار- من قبل المجتمع إنسانياً وأخلاقياً. وذهب البعض إلى أنها ستدرج لأهميتها في قائمة التغيّرات التي سيشهدها العالم ما بعد تجاوز الجائحة، خصوصا بما يتعلق بالاستثمار في الرياضة لجهة الأموال الطائلة، والأولية التي تحظى بها الرياضة في بعض البلدان على حساب مجالات أكثر حيوية كالصحة والتعليم، المجالات الضرورية لحياة البشر. لقد أصبحت كرة القدم أكبر بكثير من مجرد رياضة، بل تحولت إلى صناعة كبرى جاذبة جعلت من الفيفا قوة مالية ومؤسسة عظمى، تمتلك من الاحتياطات المالية ما يقدر بمليارات الدولارات، بل ذهبت بعض التقارير المالية إلى أن ما تملكه يعادل (ميزانيات عشر دول). العالم الذي هو اليوم في قلب الجائحة، كان قد نسيّ وغفل عما يجب أن يوليه اهتماماً أكثر من غيره، لكنّا في دولة الإمارات، وبعض دول الخليج العربية، لم ننسَ أن نقدم لحياتنا وحياة أحفادنا ما استشرفنا بالأمس أنه الأهم والأكثر ضرورة: الصحة، التعليم، والبيئة النظيفة.
*إعلامي وكاتب صحفي