تتأرجح كفة الميزان على جانبيه ليتجاوز عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد 1.2 مليون حالة على مستوى العالم، فيما قفزت أعداد الوفيات فوق حاجز الـ66 ألفاً، دون أن ننسى أكثر من 200 ألف حالة تعافي جاء شفاؤها مرتبطاً بسلوك الأفراد قبل أي شيء آخر!
وخلال الازدحام الرقمي الذي ألفناه عنوةً، هناك دول تسجل نسباً مرتفعة من الإصابات والوفيات حتى تكاد تتصدر «المشهد الكوروني العالمي» الذي اتخذت معظم مستجداته من الصين، وبخاصة مقاطعتها «ووهان»، مصدراً أول فيما سبق. ويكمن الفارق الوحيد الذي حرك خيوط هذه المسرحية التي يلعب فيها الفيروس دور «البطل المدمر» على الساحة العالمية، في وعي الإنسان ذاته، وهو الجاني والمجني عليه في ذات الوقت، إذ يتميز فيروس كورونا بفترة حضانته التي قد تمتد أسبوعين، مما يعني أنه يتعمد الانتشار بين أكبر عدد ممكن من الأشخاص دون إثارة أي من تنبيهات جهاز المناعة في بداية الأمر!
واليوم يقف العالم، بحكوماته وعقلائه، حول هدف واحد هو تسخير الجهود كافةً للقضاء على هذا الفيروس، داعياً مواطنيه للالتزام بالبقاء في منازلهم للوقاية أولاً، ولمساعدة الأجهزة الرسمية بإعطائها المجال للقيام بدورها، ولتلافي حدوث أزمة نقص في الكوادر والمعدات الطبية.
واليوم يتصاعد «رهان الوعي» في المجتمعات، إذ يبدو غريباً أن تواجه التحدي وأنت في حالة سكون منزلي، لكنه يصبح واجباً بإدراكنا أن الحركة والتنقل تفاقم من حدة الأزمة. فلابد من استيعاب طبيعة التحدي الذي يتطلب طاقة نفسية وعقلية ووقاية جسدية، وهي العوامل الأساسية التي تفسر حالة الصين قبل وبعد أزمة كورونا، دون أن ننسى تجربة المصابة رقم 31 في كوريا الجنوبية، والتي تسببت بالعدوى لنحو 80% من مجموع الحالات هناك.
لقد جسدت العديد من الحكومات والمنظمات والمؤسسات والمجتمعات، أسمى صور المسؤولية، والتي شهدنا أنصع صورها مؤخراً خلال قمة «قادة مجموعة العشرين الاستثنائية»، التي اتحدت إرادتها في تقديم يد العون وسد عجز منظمة الصحة العالمية، والتصدي لما خلفه الوباء من آثار صحية واقتصادية واجتماعية، وزيادة الطاقات الإنتاجية للصناعات التحويلية من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة من الإمدادات الطبية، وغيرها من الإجراءات الدافعة نحو «غد خالي من كورونا»، عبر التكاتف والتعاون. وفي هذا السياق غرّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، قائلاً: «بروح التضامن والتكاتف العالمي، تشارك الإمارات بالقمة الاستثنائية لمجموعة العشرين G20 برئاسة خادم الحرمين الشريفين.. نواجه تحدياً مشتركاً غير مسبوق في ظل انتشار فيروس كورونا، وشعوب العالم تتطلع إلى هذه القمة للخروج بمواقف وقرارات تعزز المواجهة الجماعية لهذا الخطر».
إن التوقف لوهلة والتمعن فيما تقدمه الأجهزة والطواقم الطبية التي خسرت حياة المآت من عناصرها، من جهود مضنية ومواصلتها العمل واتخاذ الإجراءات اللازمة.. يجعلنا نجزم بأن الكمامة الأجود هي «المنزل» والالتزام بشعار «خلك في البيت»، والقفاز الأكثر متانةً هو الالتزام بتعليمات منظمة الصحة العالمية. كما تفرض علينا، من مبدأ المسؤولية المجتمعية والإنسانية والأخلاقية والفقهية، التقيد بما تراه الدولة لاجتياز هذه الأزمة.
وانطلاقاً من إيماني بهبة العقل التي أودعها الله في البشرية، وحس المسؤولية لدى الأغلبية، أجزم بأن هذه الأزمة، وإن طالت زمنياً، فهي إلى انتهاء، راجياً المولى عز وجل أن يكرمنا برحماته وأن يحفظ الإمارات وحكامها وشيوخها وسائر بلاد العالم آمنةً مطمئنةً، وأن يرفع عنها البلاء عاجلا غير آجل، آمين.


*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة