في دولة يمتاز موقعها الجغرافي بإطلالة بحرية وبتواصل بري سهل، فإن الحديث عن إجراءات فاعلة في مجال الأمن الغذائي، يزداد أهمية، خاصة للاستفادة من الميزة الجغرافية. والحديث عن الأمن الغذائي لم يعد ترفاً، لاسيما بعد أزمة كورونا، هذه الجائحة التي تجتاح العالم من شرقه إلى غربه.
اليوم صار على الدولة وعلى الأفراد أيضاً، أن يكون لهم مخزونهم الغذائي، وأن يتجه الأفراد إلى سلوكيات وممارسات لا تعبث بمصادر الغذاء والماء، بل تحافظ عليهما وترشد استخدامهما.
فتأمين سلسلة الإمداد بداية من تأمين المزارع إلى المصنع إلى النقل، وأخيراً لمنافذ البيع ليس بالأمر السهل، فلا توجد دولة في العالم إلا- القليل جداً – لا تستورد الغذاء من غيرها من الدول، لكن الدرس الذي بات يدركه الجميع اليوم يتمثل في تأمين مخزون غذائي مستدام، تحسباً لأي طارئ يحدث.
فالمنفذ البحري لابد من تطوير المزيد من مزارع الأسماك التي بدأتها الدولة منذ عشرين عاماً تقريباً، لكن لا بد من زيادة أعدادها والاعتناء بنوعية المصائد وحمايتها. وفي هذه المهمة ينبغي التعويل على أصحاب الخبرات في الصيد، من أجل تنمية المخزون وتطوير القدرات المحلية في إنتاج السمك المحلي على وجه الخصوص. فتنمية المخزون السمكي ضرورة، لاشك أن أهميتها ازدادت بعد ما شعر الناس أن العزل ممكن أن يطال أي دولة في العالم، وبالتالي ربما تتأثر إمدادات الغذاء المستورد. وتأتي الفرصة الذهبية اليوم في تأمين خطوط الإمداد الغذائي بعد هذا الوباء، فبمجرد انقشاع غمته ستبدأ الأفكار وتنطلق الأعمال الجادة الحريصة على مقارعة المصاعب القادمة، والاجتهاد في صناعة البدائل الأساسية التي تعني ترسيخ فرص جودة الحياة.
وينسحب الأمر على أهل البلاد، فكل أسرة عليها التفكير الجاد والتنفيذ للوصول إلى أمن غذائي يستمر لأجيال قادمة. كان الناس في القرن العشرين في فترة الحرب العالمية الثانية يخزنون التمر ودبس التمر وكل ما يستطيعونه في غرفة خاصة، فكان هو الوجبة الأساسية التي استطاعوا بها مواصلة حياتهم بعد انقطاع السفن القادمة من الهند وإيران محملة بالغذاء. نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن نفكر بطريقة الأجداد وكيف استطاعوا الحياة بمقومات بسيطة لكنها مستدامة، وهم الجيل الذي أسس لكل هذا التطور الذي ننعم به اليوم. وجود مخزون غذائي مستدام لا يعني التخزين العشوائي، بل يعني ترسيخ فكر وعلم يستلزمان الحفاظ على ثروات الأرض الطبيعية. ولعله أسهل ما يمكن أن يكون لكل بيت أمنه الغذائي الذي يعتمد فيه رب الأسرة قدر المستطاع، على سبل كالزراعة وتخزين الحبوب الجافة بزراعة النخيل وكل شجر مستدام الثمار.
كورونا سيعلمنا الكثير، في إطار إيجاد الحل السهل في البحث عن البدائل عبر أفكار وأسس علمية ننطلق في تنفيذها دون أدنى تأخير.
*كاتبة إماراتية