يُشهد لدولة الإمارات العربية المتحدة سرعة استجابتها لكل التحديات التي تعصف بالمنطقة والعالم، ذلك أنها بنت استراتيجية تقوم على استشراف المستقبل، عبر اعتمادها منظومة علمية ودقيقة تستعد فيها لأي تحديات متوقعة وترسم خططها اللاحقة وفقاً لحلول استشرافية تمكّنها من المواجهة، وتستغل التقنيات المتقدمة لصالح خدمة البشرية. ولأنها أقرت استراتيجية ركنها الأساسي يقوم على النهوض بالإنسان في شتى المجالات، فقد سارعت، وخلال وقت قياسي، إلى إنشاء مختبر لتشخيص المصابين بفيروس كورونا المستجد «كوفيد –19»، يعدّ ثاني أكبر مختبر في العالم بعد الصين.
لقد كان يوم الثلاثاء الماضي علامة فارقة في تاريخ دولة الإمارات الحديث، وذلك بعد إعلان إطلاق مختبر حديث يلبي المستجدات الراهنة ويعمل على إنجاز فحص وتشخيص الإصابة بفيروس كورونا في الدولة، حيث أعلنت مجموعة «جي 42»، الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، ومقرها في أبوظبي، وبالتعاون مع مجموعة «بي. جي. آي» الرائدة عالمياً في مجال حلول الجينوم، إطلاق مختبر يتمتع بقدرات معالجة فائقة لإجراء الاختبارات بتقنية «RT-PCR»، ويقع مقره في مدينة مصدر بإمارة أبوظبي، ليتجلى الإنجاز الأهم بتشييد وتشغيل المختبر خلال أسبوعين فقط، بما يوفر الحلول الفورية ويلبي الاحتياجات المتصاعدة لاختبارات الفيروس في الدولة.
هذا المختبر الاستثنائي، الذي تم تشييده بسرعة صاروخية، أصبح من أهم المنجزات الحضارية لدولة الإمارات، ويعوّل عليه في حماية صحة الإنسان وسلامته، وذلك من خلال متابعته النشطة، وعبر كوادره المتميزة، في توفير أعلى معدلات فحص لفيروس كورونا المستجد، قياساً بعدد السكان على المستوى العالمي، وخاصة أنه يتميز بقدرات تشخيصية فائقة الدقة، ويوفّر نطاقاً كبيراً في تمكين سكان الدولة من الحصول على أكثر الاختبارات موثوقية وعلمية، الأمر الذي من شأنه تسريع وتيرة الاستجابة والاحتواء، عبر عمليات التشخيص والكشف عن الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس، وفحص المخالطين والمجموعات المعرضة للإصابة بالعدوى، باستعمال أكثر الأدوات حداثة عبر تقنية «RT-PCR»، الأداة الوحيدة من نوعها الحائزة على اعتماد جهات صحية مرموقة عالمياً، كإدارة الأغذية والأدوية الصينية، والاعتماد الأوروبي للتشخيص المخبري، وإدارة الغذاء والدواء الأميركية، ومنظمة الصحة العالمية، بحسب «ينج شياو»، الرئيس التنفيذي لمجموعة «جي 42».
وتطمح دولة الإمارات، التي تحتضن هذا المختبر القادر على إجراء عشرات آلاف الاختبارات يومياً، إلى توسيعه جغرافياً، ليشمل الدول المجاورة، بما يجسد البعد الإنساني والاعتبارات القيمية للدولة التي تحثّ وتواصل العمل مع الجميع وفق قيم التضامن مع كل محتاجي الدعم أينما كانوا، لتثبت للعالم أجمع أن جهودها التنموية والإنسانية لا تقتصر على ساكنيها، من مواطنين ومقيمين فقط، وإنما تتوسع ليستفيد منها الأخ والشقيق، ضمن سلسلة إجراءات وقائية واحترازية توظف التكنولوجيا الحديثة لخدمة الإنسان.
لقد بذلت دولة الإمارات جهوداً صحية جمّة في مواجهة انتشار وباء كورونا، وعملت على مجموعة من الإجراءات قبل إطلاق هذا المختبر، كإطلاق شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة» في أواخر مارس الماضي مركز المسح «من المركبة للأفراد» في مدينة زايد الرياضية في أبوظبي، تبعه توجيهات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، دائرة الصحة في أبوظبي بإنشاء مراكز مسح «من المركبة» لفحص الفيروس على مستوى الدولة. كما أطلقت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث منصة «وقاية»، التي تهدف إلى تعزيز الوعي بالصحة والسلامة، وقبلها اتخاذ مجموعة إجراءات اتسمت بالسرعة والشفافية، كتعزيز مستوى الإجراءات الصارمة في جميع المنافذ الحدودية، وتفعيل أنظمة الكشف الحراري فيها، وتعزيز مخزون المستلزمات الطبية، وتطبيق نظام التقصي الوبائي، عدا عن قيام وزارة الصحة ووقاية المجتمع بتدريب نحو 535 متطوعاً لدعم المنظومة الطبية في الدولة.
 *عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.