سبق وأن كتبتُ مقالا في هذه الزاوية عن اختبار الصين في محنة وباء كورونا الحالي، والذي اكتسح العالم كله تقريباً، وحول كيفية تعاملها والنجاح الذي أحرزته وتحرزه في هذه التجربة.
وقد شاهد العالم كله الرئيس الصيني في مستشفى ووهان بدون كمامة، تحدياً لهذا الوباء الخطير، لتعلن بذلك جمهورية الصين الشعبية رسمياً انتصارها على الفيروس القاتل الذي انطلق من تلك المدينة، وربما تكون هناك أيضاً نهايته قريباً.
ويتساءل بعض الأميركيين والأوروبيين من المولعين بنظرية المؤامرة: هل كان كورونا مجرد حيلة من الصين لإنقاذ اقتصادها؟ وهم يتوهمون ذلك بعد أن باعوا أسهمهم في الشركات التكنولوجية الكبرى ذات القيمة المضافة، بأثمان زهيدة للحكومة الصينية، خوفاً من المرض والإفلاس! ويحاجج هؤلاء بأن الصين لجأت لتطبيق هذه الاستراتيجية بغية التخلص من المستثمرين الأوروبيين والأجانب، دعماً لاقتصادها الذي سيتجاوز الاقتصاد الأميركي حسب التوقعات.
ونعلم أن الأوروبيين والأميركيين يبحثون عن ذرائع للإيقاع بالاقتصاد الصيني ولإفلاسه بأي طريقة ممكنة، لكن الصين اكتسبت خبرة جديدة في فن إدارة الأزمات بحنكة وعناية، وقد نجحت في ذلك، حيث حصدت خلال أيام معدودة حوالي عشرات المليارات من الدولار الأميركي، واستطاعت إدارة اللعبة الاقتصادية بتكتيكات ذكية ومهنية وحرفية جداً، وحققت من النجاح في تجاوز الأزمة وآثارها ما لم يخطر على بال المراقبين والمحللين.
وقبل وباء كورونا الذي هزم العالم وأرعبه، كانت معظم الأسهم والحصص في المشاريع الاستثمارية ومعامل إنتاج التكنولوجيا والكيماويات، تعود ملكيتها للمستثمرين الأوروبيين والأميركيين،
مما يعني أن أكثر من نصف أرباح الصناعات التكنولوجية والكيميائية كانت تذهب إلى جيوب المستثمرين الأجانب غير الصينيين وليس إلى الاقتصاد الصيني المحلي، مما كان يتسبب في هبوط صرف العملة الصينية وتدنيها، ولم يكن باستطاعة المصرف المركزي الصيني فعل شيء أمام السقوط المستمر للعملة الصينية.
لكن جاء انتشار الوباء الذي يستحيل أن تكون وراءه الصين (كما تزعم نظرية المؤامرة)، ليدفع نحو انخفاض حاد في أسعار أسهم شركات صناعة التكنولوجيا في الصين، فتسابقت إمبراطوريات المستثمرين الأجانب إلى طرح الأسهم الاستثمارية للبيع، وبأسعار متدنية جداً وعروض مغرية لم يسبق أن عرفها السوق الصيني في تاريخه.
وبالفعل ما أن وصلت أسعار الأسهم الأجنبية إلى حدودها الدنيا، حتى أصدرت الحكومة الصينية أمراً بالتدخل حيث قامت بشراء أسهم الأميركيين والأوروبيين كلها تقريباً. والآن أصبحت معظم الأسهم في يد الحكومة الصينية، في نتيجة تشبه تأميم أغلب الشركات الأجنبية المتواجدة على أراضيها، دون تكلفة كبيرة ومن غير أن يتسبب ذلك في أزمة سياسية مع دول بعينها.
ومع ذلك فإن القائلين بهذا التفسير التآمري لأزمة كورونا يقرون بأنه فيروس حقيقي، وبأن له تأثيراته المباشرة على الأجهزة التنفسية للإنسان ونظامه المناعي، لكنهم يزعمون أنه ليس بهذه الخطورة التي روّجتها حوله وسائل الإعلام عبر العالم. بيد أنهم في تفسيرهم هذا يتجاهلون حقيقتين: الأولى أن الصين ليست صاحبة النفوذ الأقوى على وسائل الإعلام الرئيسية الأكثر انتشاراً في العالم، والثانية أنه لا يمكن لدولة أن تغامر بإطلاق حرب بيولوجية مجهولة العواقب بطبيعتها (كهذه التي يفترضها تفسيرهم) داخل أرضها وبين أبناء شعبها.

*كاتب سعودي