في الأزمات الإنسانية، تتجلى مواقف الدول التي تستقي دبلوماسيتها من شخصيتها المطبوعة على الخير والتسامح مع دول الجوار الجغرافي، وذلك ما دعا سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى أن يتصل هاتفياً، في 15 مارس الحالي، بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وجرت خلال الاتصال مناقشة التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم في ضوء انتشار وباء كورونا. وقدَّم سموه، خلال الاتصال، تعازيه للشعب الإيراني في ضحايا الوباء العالمي، مؤكداً أن دولة الإمارات العربية المتحدة تدعم الشعب الإيراني لتخطي محنته.
ويمثل انتشار فيروس كرونا تحدياً بيولوجياً عالمياً غير مسبوق، ولا تراجع عن مواجهته. ولحد هذا التاريخ توغل الفيروس في معظم أنحاء البسيطة، مخترقاً الحدود، لا يصده حاجز ولا تردعه تكنولوجيا العصر من الجيل الخامس. وفي هذا الخضم انكشفت قدرات كثير من الدول والأنظمة، لاسيما في المجال الصحي والتنظيمي، إزاء الفيروس المستجد. وللوهلة الأولى ظنت دول عديدة أن الوباء شأن صيني بحت، وراحت أصوات تتحدث على إيقاع نظرية «المؤامرة» التي سبق أن ارتبطت أيضاً بظهور بعض الأوبئة الحديثة والقديمة. لكن هل يمكن تصديق القول إن فرنسا في القرن الـ14 الميلادي شهدت «مؤامرة حاكها المسلمون بالتعاون مع اليهود لنشر مرض الجذام في البلاد استعداداً لتحويلها عن المسيحية»؟ وفي تاريخنا العالمي المعاصر والقريب، ارتبطت نظرية المؤامرة بانتشار أمراض وأوبئة مثل الإيدز وسارس وإنفلونزا الخنازير.. وها هي ترتبط بفيروس كورونا المستجد الذي حاكوا حوله قصة «الخريطة الزائفة» في مدينة ووهان الصينية وما أثارته من رعب حول احتمال إنتشار الفيروس في سائر أنحاء العالم. وقد تبين فيما بعد أن الخريطة تمثل بيانات الرحلات الجوية والهواتف المحمولة لسكان ووهان خلال سنوات سابقة!
هل يتوافق ذلك الترويج مع ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الغربية حول التأثير النفسي على الصين، التي تعمل بصمت، وقد تغلبت على بؤرة الخطر واستطاعت احتواءه في مدة قصيرة غير متوقعة، لتسجل بذلك إنجازاً عظيماً حازت به إعجاب منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي؟
في بعض الدول، كالعراق ولبنان على سبيل المثال، تحاول الحكومات الاستفادة سياسياً من كورونا، لوقف الاحتجاجات الشعبية، بذريعة إنشغال الدولة بمكافحة الفيروس ودعوة المجتمع للتضافر معها.. بينما يقول المحتجون في الشارع العراقي إن «أهل الفساد أخطر من المرض» وإن النظام السياسي في بلاهم هو «الفيروس الحقيقي» الذي لا شفاء منه، وإن أزمات سياسية وعقوداً من الفساد تمثل (في رأيهم) أكبر خطر.
الأزمات تكشف ما كان خافياً على بعض الناس، حتى في مجال المقدس، حيث نرى الآن أن فيروس كورونا دحض كثيراً من المعتقدات التي تختلط فيها الخرافة بالمعتقدات الدينية غير المؤصلة، ودون دراية أو رواية، حول المراقد والقبور والدعاء بغير الله الواحد الأحد. فهذا الحدث يماثله قديماً، في القرون الوسطى، انتشار «الطاعون الأسود» حين عجزت الكنيسة الكاثوليكية عن أن تقدم للناس حلولاً. وفي ذلك يقول جيري بروجون في كتابه «عصر النهضة»: كان للطاعون الأسود فضل كبير في تلك الفترة، إذ أسهم في التمهيد لانتشار العلمانية، خاصة في فرنسا، ولفصل الدين عن الدولة في أوروبا عموماً.


*سفير سابق