ثلاثة نماذج من النساء تستوقفني أخبارهن على وسائل الإعلام، واستمتع كثيراً بمشاهدة جهودهن ومتابعة نشاطهن على تلك الوسائل لا لمظهر خارجي وإبهار يستقطب اهتمام الكثير من النساء بل لما يعكسن من جمال داخلي على تصرفاتهن ومواقفهن الإنسانية وأنشطتهن الاجتماعية التي تجمع بين البساطة في التعامل وبذخ الحضور في آن واحد وهن: الأميرة ريما بنت بندر آل سعود سفيرة المملكة العربية السعودية في أميركا، والشيخة مي آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة الآثار والتي شغلت منصب وزيرة الثقافة والإعلام في مملكة البحرين سابقاً، ومعالي نورة الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة بدولة الإمارات العربية المتحدة ورئيسة جامعة زايد.
ثمة رابط وثيق بين مخبر الإنسان ومظهره، وثمة تفاصيل صغيرة تظهر في تصرفات الشخص، وتحكي مجلدات عن سمو أخلاقة وعمق إنسانيته، وقد تجلت هذه الصفات في تلك النساء الثلاث، فالأميرة ريما بنت بندر، ورغم المسؤولية الكبيرة التي أوكلت بها وحملتها على عاتقها بكل اقتدار كسفيرة للمملكة العربية السعودية في أدهى وأقوى دول العالم وهي أميركا إلا أنها تتمتع بمسؤولية اجتماعية وحس إنساني عال تعكسه مواقفها تجاه قضايا المرأة ودعم تمكينها وتفعيل دورها المجتمعي والسياسي بالشكل المطلوب، والذي يتواءم وما تنتهجه أعرق وأكبر الحضارات الإنسانية،
هذا فضلاً عن شجاعتها ومواقفها المشرفة وحكمتها في إدارة الأمور السياسية المطروحة على مكتبها بشكل يومي كيف لا، وهي ابنة داهية السياسة والدبلوماسية، وخريجة مدرسة الأمير المحنك بندر بن سلطان الذي شغل، المنصب ذاته لعقود، وحين أتابع أنشطة الأستاذة نورة الكعبي على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فإنها غالباً تبهرني بتواضعها الجم وإنسانيتها المتدفقة في كل مناسبة تحضرها، فأجدها تقف بين الجموع لا في مقدمتهم، وتنصت أكثر مما توجه، وتعطي من خلال نشاطها الاجتماعي بهدوء واتزان وإنسانية في مظهر بسيط وحديث آسر فضلاً عن دورها الفاعل في نشر الثقافة والتشجيع على القراءة ودعم المواهب والاهتمام بالفنون بكل أشكالها ونشاطها اليومي خارج إطار عملها المؤسسي والرسمي.
أما الشيخة مي آل خليفة والحائزة على عدة جوائز عالمية في الإبداع المجتمعي والثقافي فإن لي تجربة شخصية على أرض الواقع مع إنجازات هذه المرأة التي ملأت أرض البحرين جمالاً وصيتاً، ونقشت جدرانها بعبق تاريخها وبعثت حياة جديدة بين أزقتها ومعالمها القديمة وجعلتها تتنفس بروح العصر وتقنياته، فهي صاحبة الجملة (الثقافة فعل مقاومة) أي أن الثقافة لا تركن إلى المخزون الذهني أو تصطف على رفوف المكتبات وتتوقف عند ذلك فحسب، بل تتجاوزه إلى الفعل لإنتاج ما. يستحق عناء المقاومة، وهكذا فعلت، ففي آخر زيارة لي للبحرين كان إبهاراً حقيقياً ما صنعته هذه المرأة من ترميمات وتجسيداً للتاريخ والثقافة المنبثقة من نفس مجالها فهي كاتبة وباحثة بالتاريخ، وهي المؤسس ورئيس مجلس الأمناء في «مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث» الذي يندرج تحته مجموعة من المراكز الثقافية والبيوت الفنية كـ«بيت الشعر» و«بيت التراث الصحافي» و«بيت القصيبي» وغيرها، ويضاف إلى إنجازاتها إدراج موقعي «قلعة البحرين» و«طريق اللؤلؤ» ضمن لائحة مواقع التراث العالمي، ويكفي أن تقتطع لك ساعة من الزمن خارج إطار العصر لتعيش تجربة تاريخية آسرة في «المحرق» القديمة لترى ما يدهشك ويشبع كل حواسك المعرفية والثقافية، وتغوص في عمق تجربة تاريخية غير مسبوقة، كل هذا الإبداع لإعادة هيكلة التاريخ وعملية إحياء التراث وبلورته كثقافة فريدة صنعته امرأة غاية في اللباقة وعلو الأخلاق والثقافة والبساطة والحضور المتميز.
نعم هذه النماذج الثلاثة اللاتي نفتخر بهن وغيرهن ممن رفعن أوطانهن عالياً بمجالات مختلفة وتميزن بذلك، ولكنني اخترت نساء ناشطات في العمل الإنساني والاجتماعي الذي يشدني بشكل شخصي كثيراً، فلا أجمل من شخصية تحمل عقل متقد بكم من الثقافة وحياة مليئة بخدمة الناس وقلوب نذرت عاطفتها لمجتمعها وأياد بيضاء لا تمل العطاء.
مر يوم 8 مارس الأحد الماضي، وهو اليوم العالمي للمرأة فأحببت أن يخط مداد قلمي ولو بجزء بسيط من الوفاء لتلك النماذج التي صنعت تاريخاً من العطاء والتميز في المجال الإنساني والاجتماعي والسياسي، كما أفخر بكل امرأة في الخليج سخرت عطائها لمجتمعها بمبادرات وجهود ترمي إلى رفعة أوطانهن ونشر الوعي وقيم التسامح بين مجتمعاتهن.