تبنت إيطاليا إجراءات مشددة للغاية فيما يبدو للتصدي لانتشار مرض كوفيد-19 (كورونا) الذي أدى إلى وفاة 366 شخصاً في البلاد حتى الآن، ودخول 650 شخصاً آخرين إلى وحدات العناية المركزة. وهناك الآن 17 مليون شخص يخضعون للحجر في منطقة لومباردي الشمالية، وفي 14 منطقة أخرى من بينها فينيسيا (البندقية). وأغلقت الحكومة أيضا المناطق العامة، مثل صالات ممارسة الرياضة وبرك السباحة في هذه المناطق، وقيدت بشدة ارتياد المطاعم. وصالات العرض السينمائية والمسرحية ستُغلق على امتداد البلاد.
وهذه الإجراءات التي جاءت بعد قرار سابق بإغلاق المدارس على امتداد البلاد هي الأشد صرامة في أوروبا، ما يعكس ضخامة المشكلة في إيطاليا، لكنها أقل بكثير من الإجراءات التي اتخذتها الصين في يناير لاحتواء انتشار المرض في مدينة ووهان ومنطقة هوبي المحيطة. وهذا يوضح الحد الذي قد تصل إليه الدول الديمقراطية في تقييد حريات مواطنيها عند التعامل مع حالة طبية طارئة، ويثير أسئلة بشأن مدى فعالية هذه الإجراءات. وأصدرت الحكومة الإيطالية مرسوما في الأيام القليلة الماضية يلزم الأشخاص الذين يعيشون في منطقة تمتد من وسط إلى شمال البلاد بالبقاء في مناطقهم حتى الثالث من أبريل. وهؤلاء المواطنون طُلب منهم البقاء في منازلهم والاكتفاء بالذهاب إلى العمل أو الخروج لقضاء حاجاتهم الأساسية. ومسموح بفتح المتاجر ومكاتب المصالح العامة، لكن يتعين التأكد من توفير مساحة كافية تفصل الأشخاص عن بعضهم بعضاً.
والغرض الرئيس لهذه الإجراءات هو إبطاء انتشار الفيروس واحتواؤه، بعد أن أصاب أكثر من 7000 شخص. وانتشار المرض يمثل ضغطاً شديداً على المستشفيات، وبخاصة وحدات العناية المركزة في منطقة لومباردي، التي فيها واحد من أفضل أنظمة الرعاية الصحية في البلاد. ويُخشى أن يخرج انتشار الوباء عن السيطرة، ويصل إلى الجنوب الذي به مستشفيات أقل استعداداً. والأمل يتعلق بتكرار تجربة الصين الناجحة التي استطاعت احتواء انتشار الفيروس في ووهان بفضل طائفة من الإجراءات بالغة الصرامة. وهذا تضمن قيوداً صارمة للغاية على السفر، وتقييد للحركة في المدينة.
لكن الإجراءات التي اتخذتها إيطاليا أقل تقييداً بكثير مما يحتمل أن يتوقعه المرء. فالحكومة سمحت للناس بالحركة في المناطق التي ظهرت فيها حالات إصابة أو حتى مغادرة هذه المناطق من أجل العمل أو لأسباب تتعلق بالعمل. وأعلنت روما أنها ستفرض غرامة أو تعتقل الذين ينتهكون القواعد، لكن من الصعب فرض قواعد في منطقة شاسعة. وليس على الأفراد إلا الحصول على وثيقة تثبت أنهم يسافرون من أجل العمل، وهذا يفتح الباب للانتهاكات. وهذه الصعوبات تشير إلى المشكلة الرئيسة في إخضاع مثل هذا الوباء الخطير للسيطرة في بلد ديمقراطي يقدر قيمة الحريات الأساسية مثل حرية الأفراد في الانتقال.
وتريد الحكومة أيضاً حماية اقتصاد البلاد الذي يعاني بالفعل من تقلص حاد في الطلب الداخلي والخارجي، ولذا ترغب في السماح بحرية السفر من أجل العمل أو الذهاب للعمل كالمعتاد.
ومرسوم تقييد الحركة أكثر قرباً من كونه محاولة لإقناع الناس بالعثور على وسائل للبقاء في المنزل بقدر الإمكان وليس كقائمة إجراءات قابلة للتنفيذ. وهذا يجعل الأمر مختلفاً للغاية، ومن المحتمل أن يكون أقل فعالية من حملة الصين المشددة في ووهان. ومع انتشار المرض في دول غربية أخرى-الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا- ستواجه هذه الدول معضلة إيطاليا نفسها. فمع كل قدرة الحكومات في هذه الدول على الإقناع، ستحتاج الحكومات تعاوناً أساسياً من مواطنيها حتى تستطيع إبطاء انتشار الفيروس والعودة إلى الحياة الطبيعية. فالديمقراطيات تثق في مواطنيها، وقد حان الوقت كي نكون جديرين بهذه الثقة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»