كشف انهيار اجتماع وزراء نفط منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائهم الدوليين عن انقسامات عميقة بشأن كيفية التعامل مع ضعف الطلب على النفط بسبب انتشار فيروس كوفيد-19 (كورونا). فقد طالبت المملكة العربية السعودية أن تشارك روسيا في تقليص مقترح للإنتاج بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم. وأكدت السعودية أن أوبك لن تقلص العرض دون دعم من الدول غير الأعضاء. لكن روسيا اعترضت.
والواضح أن أي تقليص لإنتاج أوبك يعتمد على مشاركة الحلفاء من الدول غير الأعضاء، وأكدت المنظمة السيطرة الكاملة لروسيا على عملية إدارة العرض من النفط برمتها، كما حذر كاتب هذه السطور من ذلك قبل أكثر من عام. وهذه ليست المرة الأولى التي تتعثر فيها الشراكة بين أوبك وحلفائها الذين يسيطرون على نحو نصف إنتاج العالم من النفط. لكن صعوبة الشراكة هذه المرة هي الأكثر ضرراً.
وهذا الاجتماع لم يكن يتعلق فحسب بتقليص الإنتاج بشكل أكبر، بل كان يستهدف أيضاً التصديق على تمديد اتفاق حالي بين الدول العشرين يقلص إنتاج أوبك بنحو 2.1 مليون برميل في اليوم. وهذه الصفقة التي تم التوصل إليها في ديسمبر تنتهي بنهاية الشهر الجاري، ما يترك الأعضاء أحراراً في ضخ ما يريدونه من نفط بدءاً من بداية أبريل.
ويجب ألا نتوقع عودة الخفض الكامل لأوبك وحلفائها على الفور إلى السوق وإغراقها نتيجة هذه العودة للضخ. فمعظم الدول تضخ بقدر ما تنتج أو قريب من هذا. وبخلاف السعودية التي تستطيع تعزيز إنتاجها بمليون برميل إضافي في اليوم بسرعة شديدة، فالدول الأخرى الوحيدة التي يمكنها زيادة إنتاجها بأكثر من 100 ألف برميل في اليوم هي الإمارات العربية المتحدة وروسيا.
ولم ترفض روسيا تقليص إنتاجها أكثر إلا لأن شركاتها النفطية ترفض استخراج كمية أقل من الآبار. وهذه الشركات لم تحترم على أي حال التزامها بشكل كامل حتى الآن، بل إنها حصلت في الاجتماع السابق على استثناء للنفط الخفيف المستخرج من حقول الغاز الذي يمثل واحداً من مجالات نمو الإنتاج الروسي. ولو أرادوا القيام بهذا، لكان هناك مجال كبير أمام روسيا لقبول تقليص الإنتاج وتطبيقه ولو جزئياً. وربما يكون من أسباب رفض المشاركة هو الاختلاف بشأن أفضل طريقة للتعامل مع الانخفاض المفاجئ والحاد- لكن غير المؤقت- في الطلب على النفط. وربما يأمل الروس، بسماحهم بانخفاض سعر النفط، في تحفيز الطلب. لكن من الصعب أن نتوقع تأثيراً لهذا على الاستهلاك مع إغلاق المصانع وتقليص شركات الطيران لرحلاتها وضعف حركة السير. فرخص سعر النفط لن يخفف المخاوف من فيروس كورونا.
لكن انخفاض أسعار النفط قد يشجع دولاً مثل الصين والهند على تعزيز مخزونها الاستراتيجي. والصين تخزن بالفعل فيما يبدو كميات هائلة من الخام في حاويات تخزين. وتدفق الخام إلى الصين من دول الخليج العربي انخفض عن مستواه القياسي في أكتوبر، لكنه يتوافق إلى حد كبير مع توجه عمليات الشحن منذ بداية 2017. والإمدادات من غرب أفريقيا متواصلة أيضاً.
لكن هناك بعد جيوسياسي أكبر لانسحاب روسيا من اتفاقية تقليص الإنتاج تماماً كما كان هناك بعد جيوسياسي لاشتراكها فيها. فمشاركتها كانت تخدم طموحات بوتين في تعزيز النفوذ الروسي في الشرق الأوسط. والانسحاب يستهدف معاقبة الولايات المتحدة على هجماتها المتكررة على مصالح الطاقة الروسية من خلال العقوبات التي عطلت عمليات الاستكشاف في القطب الشمالي، وتطوير حقول التكسير الصخري، ومنعت إتمام خط أنابيب غاز إلى أوروبا يمر ببحر البلطيق، واستهدفت النشاط الاقتصادي في فنزويلا لشركة روسنفت النفطية الروسية المملوكة للدولة.
*خبير استراتيجي بمركز دراسات الطاقة العالمي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»