في الرابع من مارس كل عام، تنظم وتقيم العديد من المنظمات والهيئات والمؤسسات العاملة في مجال الصحة العامة، فعاليات وحملات توعية، بالتزامن مع اليوم العالمي للسمنة (World Obesity Day)، ويحتل هذا الحدث السنوي أهمية تزداد يوماً بعد آخر، في ظل البيانات والإحصاءات الدولية، التي تشير إلى أن معدلات السمنة العالمية قد تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 1975، فحالياً يُقدر أن أكثر من 1.9 مليار شخص، ممن تخطوا سن الـ18، مصابون بزيادة الوزن، ومن بين هؤلاء يوجد 650 مليون مصاب بالسمنة المفرطة، وهو ما يعني أن 39% من البالغين يعانون من زيادة الوزن، و13% منهم مصابون بالسمنة، ولا يقتصر الأمر على البالغين فقط، حيث يُقدر أيضاً أن أكثر من 41 مليون طفل حول العالم مصابون بزيادة الوزن أو السمنة، وإذا ما أضفنا إلى هذه الفئة العمرية فئة المراهقين، فسنجد أن الرقم سيرتفع حينها إلى 340 مليون مصاب بزيادة الوزن والسمنة بين الأطفال والمراهقين.
وأمام هذا الوضع المتردي باضطراد، ركّز اليوم العالمي للسمنة للعام الحالي، على جذور هذه المشكلة الدولية الأبعاد، والتي يمكن تلخيص جذورها في التالي:
1) العوامل البيولوجية أو الحيوية، 2) كمية ونوعية الطعام، 3) الاستعداد الوراثي، 4) توفر الرعاية الصحية، 5) منعطفات مراحل الحياة المختلفة، 6) أساليب التسويق التي تتبعها شركات الأغذية والمشروبات، 7) الصحة العقلية، 8) نمط وأسلوب النوم، 9) النظرة الاجتماعية.
ومن النظرة الأولى، يتضح أن السمنة مشكلة مركبة ومعقدة، تتشابك جذورها وتتقاطع العوامل المؤدية إليها، فعلى الجانب البيولوجي أو الحيوي مثلاً، ينبغي أن ندرك أن تطور الجسم البشري عبر ملايين السنين، جعل من خصائصه مقاومَة خسارة الوزن، كأسلوب دفاعي ضد الموت جوعاً، خلال مراحل التاريخ التي كان الطعام غير متوفر فيها على مدار الساعة، وهو ما يجعل من محاولات فقدان الوزن الزائد تصطدم بمقاومة من الجسم ذاته.
وبالنسبة لنوعية وكمية الطعام، فغني عن الذكر هنا أن الغذاء اليومي لأفراد الجنس البشري قد شهد تغيراً جوهرياً، لا سيما خلال العقود القليلة الماضية، حيث أصبح مرتفعاً بشكل هائل في السعرات الحرارية، ومُصنَّعاً أو فائق التصنيع في أغلب الحالات، ومما يزيد الموقف سوء الأساليب التي تستخدمها شركات الأطعمة فائقة التصنيع، وشركات المشروبات الغازية مرتفعة المحتوى من السكريات، خصوصاً استهدافها للأطفال منذ نعومة أظافرهم.
وإذا ما انتقلنا للحديث عن الاستعداد الوراثي، فيكفي أن نعلم أن جيناتنا مسؤولة عن ما بين 40 و70% من احتمالات إصابتنا بالسمنة، كما أن منعطفات مراحل حياتنا، بداية من الساعات والأيام الأولى من وجودنا كأجنة في أرحام أمهاتنا، مروراً بسنوات المراهقة، أو خلال فترة الحمل، يمكن أن تضعنا تحت رحمة ظروف وعوامل تدفعنا نحو زيادة الوزن والسمنة، مثل الإصابة ببعض الأمراض والعلل، والتي قد تكون سبباً في زيادة الوزن، أو كأحد المضاعفات الجانبية الناتجة عن العلاج.
وحتى نمط وأسلوب النوم، أو بالأحرى عدم الحصول على ساعات كافية من الراحة اليومية، يمكن أن يكون عاملاً بالغ الأهمية في زيادة احتمالات الإصابة بالسمنة، وهو نفس التأثير الناتج عن زيادة مستوى التوتر في حياتنا اليومية، وخصوصاً التوتر المزمن، وهو ما يجرنا للحديث عن الصحة العقلية، وكيف يمكن للسمنة أن تكون أحد أعراضها، أو سبباً في الوقوع ضحية لها، بشكل مباشر أو من خلال بعض أنواع الأدوية التي تستخدم لعلاجها.
ومما يزيد من وقع السمنة على المصابين بها وصمة العار والنظرة السلبية التي ينظر بها المجتمع للبدناء، خصوصاً المصابين بالسمنة المفرطة، مما يزيد من العبء النفسي عليهم، ويجعلهم مؤهلين للاضطرابات النفسية والعقلية مثل القلق والاكتئاب، وربما حتى الانتحار.