تواجه حكومة «الياس الفخاخ» التي نالت مؤخراً ثقة مجلس النواب التونسي بأكثرية 129 صوتاً، (أقل نسبة من الأصوات تنالها تشكيلة حكومية منذ بداية المسار الديمقراطي والتداول على السلطة)، تحدي الحصول على«ثقة» المجتمع الدولي لمواجهة إرث ثقيل من الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل نسب النمو المتدهورة والتي بلغت 0.8% في الفصل الرابع من العام الماضي، وارتفاع التضخم إلى 5.9%، واستقرار البطالة في حدود 14.9%، وفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء، وذلك في الوقت الذي تستعد فيه لإجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي في مايو المقبل لتمديد الاتفاق على تسهيلات جديدة مماثلة للقرض الموقع في مايو 2016 بقيمة 2.9 مليار دولار.
عندما أطلقت تونس مخطط التنمية 2016 -2020، توقع صندوق النقد أن يتضاعف النمو الاقتصادي إلى 4%عام 2017، ثم يرتفع تدريجياً إلى 5% في العام الماضي. ولكن يبدو أن الاقتصاد التونسي لا يزال يحتاج إلى الكثير ليتمكن من استرجاع عافيته وتحقيق معدلات نمو مقبولة، وهو يواجه صعوبات عدة في ظل استمرار التهديدات الإرهابية، وتفاقم العجز في مالية الدولة، وانخفاض الانفاق الاستثماري على تمويل المشاريع التنموية، وإغراق البلاد في الديون وأعبائها. وخلافاً لتوقعات الصندوق، سجل النمو 1,9% عام 2017، ثم تراجع إلى 1% العام الماضي، لذلك ينتظر أن يتشدد في مفاوضاته المرتقبة، بمطالبة الحكومة الجديدة بتغيير سياستها المالية، لاسيما لجهة «تركيب نفقات الموازنة» التي تدهورت مسجلة زيادة كبيرة في كتلة الرواتب والأجور، إضافة إلى توجيه القروض الخارجية إلى الإنفاق على الاستهلاك بدلا من تخصيصها لتمويل المشاريع القادرة على سد هذه القروض.
وبما أن دول الاتحاد الأوروبي تعد أهم شريك تجاري للاقتصاد التونسي، إذ تستقطب نحو 74% من صادراته، خصوصاً أن العجز في الميزان التجاري سجل رقما قياسياً بلغ 6.9 مليار دولار العام الماضي، فإن الحكومة تدرك أهمية الاستفادة من خروج تونس من «القائمة السوداء» للاتحاد، بعدما تعرضت لمخاطر«الاقتصاد الموازي» طوال مدة السنتين الماضيتين، مع تفاقم عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ونظراً لحاجة تونس لمزيد من القروض لتمويل موازنة الدولة بنحو 4.13 مليار دولار، وتبلغ الأقساط المستحقة خلال العام الحالي 3.95 مليار دولار، فهي لن تكتفي بالقروض التي يمكن أن تحصل عليها من صندوق النقد، بل ستستعين أيضاً بالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيزيد من تفاقم مشكلة الدين الخارجي البالغ نحو 21.6 مليار دولار، ويمثل نحو 77% من الناتج المحلي الإجمالي، وبات يشكل 4 أضعاف مدخرات البلاد من العملة الأجنبية. وقد حذر البنك المركزي السلطات التونسية من التمادي بالاعتماد على سياسة الاقتراض الخارجي، موضحاً أن كافة مداخيل تونس المتأتية من تعاملاتها الدولية، من صادرات وتدفقات للاستثمار والعائدات المالية من القطاع السياحي، إضافة إلى تحويلات التونسيين العاملين في الخارج، لا تسمح إلا بتغطية نسبة لا تتجاوز 69% من القيمة المتراكمة للديون. ومع تواصل ارتفاعها، تعكس مؤشرات سلبية بما يجعلها من أخطر معضلات الواقع التونسي.
* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية