ربما نستطيع وصف زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الهند باعتبارها واحدة من أهم الزيارات التي شهدتها الهند في العصور الحديثة. وهذا تجلى في الاستقبال الحافل الذي نظمته حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لترامب. وتضمن الاستقبال الذي مازال يتحدث عنه ترامب في حملاته عروضاً امتدت على طريق طوله 22 كيلومتراً وكلمة في استاد كبير في أحمد أباد، عاصمة ولاية جوجارات. ووقف أكثر من 100 ألف شخص على جانبي الطريق الذي تحرك فيه موكب مودي وترامب من المطار إلى الاستاد المقام حديثاً، والذي تقول الحكومة إنه الأكبر للكريكيت في العالم. وأقيم على طول الطريق الذي أُطلق عليه «طريق العروض الهندية» نحو 28 منصة لاستعراض الموروثات الثقافية لولايات هندية مختلفة.
ووقف الزعيمان على مسرح واحد أقيم في الاستاد الذي احتشد فيه أكثر من 100 ألف شخص. وألقى ترامب كلمة في فعالية أُطلق عليها «أهلا بترامب» في تكرار لفعالية عقدت في الولايات المتحدة أثناء زيارة مودي في سبتمبر الماضي أطلق عليها «أهلا بمودي». وفي هذه المناسبة كان الوئام بين الزعيمين واضحاً للغاية. وأعلن مودي أن البلدين بينهما قيم ومبادئ مشتركة ويشتركان في وروح الإقدام والابتكار والفرص والتحديات والآمال والطموحات. وأشاد الرئيس ترامب في كلمته برئيس الوزراء الهندي باعتباره صديقاً وبالهند باعتبارها حليفاً مقرباً.
وقام الرئيس ترامب بصحبة زوجته ميلانيا ترامب وابنته ايفانكا وزوجها جاريد كوشنر بزيارة حافلة بالنشاطات لمدة 36 ساعة للهند انتقل خلالها إلى ثلاث مدن هندية. وبعد المحادثات بين الزعيمين، وقع الجانبان اتفاقات دفاعية بقيمة ثلاثة مليارات دولار وحققا تقدماً في اتفاق تجاري، أثناء زيارة تؤكد التقارب بين الهند الولايات المتحدة على خلفية تأكيد الصين لنفوذها في المنطقة. والهند ستشتري عتاداً عسكرياً أميركياً متقدماً بما في ذلك طائرات أباتشي وطائرات هليكوبتر من طراز إم. إتش.-60 روميو التي يصفها ترامب بأنها الأرقى في العالم. والعلاقة الطيبة بين الزعيمين كانت واضحة في التصريحات الصحفية بعد المحادثات. فقد أشاد ترامب بالترحيب الودي الذي وجده في الهند وأعلن أن علاقات الولايات المتحدة بالهند «خاصة للغاية»، وهي في أحسن حالاتها الآن. وأعلن الجانبان أن العلاقات تطورت إلى «شراكة عالمية استراتيجية شاملة» تتجلى في تعزيز التعاون في الدفاع والأمن، وهما المجالان اللذان وصفهما الجانبان كمحور مهم في العلاقات بينهما.
وتقاربت الهند والولايات المتحدة مع صعود نفوذ الصين. ونظرت الولايات المتحدة إلى الهند باعتبارها قوة مقابلة للصين في آسيا، في الوقت الذي حاولت فيه الهند تعزيز تقاربها مع حليفها القديم، روسيا، وتحقيق توازن في علاقاتها مع الصين.
الرئيس الأميركي أشاد بصعود الهند كقوة اقتصادية مشيراً إلى أن هذا الصعود كان «سلمياً» وليس من خلال «القمع». وعزز البلدان تعاونهما بشكل خاص في الدفاع رغم الخلافات بشأن التجارة. فالولايات المتحدة تسعى إلى الحصول على إمكانية أكبر لدخول منتجاتها من الألبان وغيرها من المنتجات إلى الهند. ووافق الجانبان على العمل نحو الوصول إلى صفقة أكبر مع إتمام الجوانب القانونية في صفقة صغيرة تتعلق بإمكانية دخول الولايات المتحدة لقطاع الزراعة الهندي. وناقش الزعيمان التعاون في مكافحة الأوبئة وهو المجال الذي اكتسب أهمية بسبب التفشي الحالي لفيروس كورونا.
وظهرت بعض الانتقادات في مجلس الشيوخ الأميركي لقانون تعديل الجنسية الذي طبقته الهند في الآونة الأخيرة الذي يمنح الجنسية الهندية إلى مهاجرين من أفغانستان وبنجلادش وباكستان من جميع العقائد فيما عدا المسلمين.
لكن الزيارة كانت مرحلة مهمة في العلاقات بين الهند والولايات المتحدة. وصحيح أنه لم تظهر تصريحات تاريخية، لكن لم يكن من الممكن إتمام اتفاق تجارة مصغر في وقت الزيارة. ولا شك في أن الزيارة أبرزت تحسن سير العلاقات الوثيقة بين الهند والولايات المتحدة. وقلل ترامب من شأن الخلافات في التجارة وألقى الضوء على أهمية التعاون الاستراتيجي الأكبر وهو ما انعكس أيضاً في البيان المشترك. وقدوم ترامب لزيارة الهند تاركاً بلاده أثناء عام انتخابي يلقي بالضوء على الأهمية التي تعلقها الولايات المتحدة على هذه الشراكة الاستراتيجية.
وجاءت زيارة ترامب في الوقت الذي كانت الهند تترنح فيه تحت وطأة عدد من الاحتجاجات بشأن قانون تعديل الجنسية وتسجيل الجنسية القومية وظهور عدد من التوترات الطائفية في عدد من الأحياء في العاصمة دلهي. لكن ترامب رفض الخوض في أي من نقاط الخلاف تلك أثناء الزيارة. وحتى أثناء مؤتمر صحفي، بينما كان الرئيس الأميركي يتحدث عن العجز في الميزان التجاري، أشار ترامب إلى أنه لا يريد قول أي شيء مثير للخلاف بما في ذك قانون تعديل الجنسية أو التطورات في كشمير واصفاً هذه الأمور بأنها قضايا داخلية خاصة بالهند.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي