حتى الآن، تسبب وباء فيروس كورونا في وفاة أكثر من ألفي شخص، ومازال يواصل الانتشار. لكن بالنظر إلى حجمه، والتخوفات وردود الأفعال التي يثيرها، لم يعد كورونا مسألة طبية فحسب، وإنما بات يتخذ بعداً جيوسياسياً كذلك. لكن، كيف يمكن تفسير حجم التخوفات التي أثارها؟ الواقع أن الشائعات الأكثر جنوناً راجت وانتشرت. فقد رأينا أشخاصاً يغيّرون اتجاههم في الشارع من أجل تفادي المرور بجانب صينيين مخافة الإصابة بالعدوى، وكأن كل الصينيين أصبحوا حاملين للفيروس! لقد أثار الوباء ردود فعل غير عقلانية كلياً كما لو أن لدى البشرية ذاكرة جماعية ما زالت تتذكر هلع «الطاعون الأسود» الذي انتشر في القرن الرابع عشر، والذي قلّص سكان أوروبا بقرابة النصف. وكان قد وصل إلى أوروبا عبر سفن تجارية من آسيا. وبسببه، مات نحو ثلث الصينيين. ومن جانبها، تسببت «الأنفلونزا الإسبانية» في مقتل ما بين 50 مليون و100 مليون ضحية بين عامي 1918 و1920.
رد فعل السكان ووسائل الإعلام اليوم يوحي كما لو أن أوبئة بهذه القوة يمكن أن تضرب الإنسانية من جديد. والحال أنه إذا ألقينا نظرة على الأوبئة الكبيرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة، نلاحظ أن الأبعاد ليست نفسها. فـ«سارس»، الذي انطلق أيضاً من الصين في 2003، تسبب في مقتل أقل من ألف قتيل. ووباء «إيبولا» في غرب أفريقيا عام 2014 تسبب في وفاة 12500 ضحية.. وذلك لأن الأنظمة الصحية باتت اليوم أكثر تقدماً وقدرة على مكافحة هذه الأمراض.
لكن، لماذا يتسبب فيروس كورونا هذا في خوف أكبر مقارنة مع الإنفلونزا التي تتسبب سنوياً في وفاة آلاف الأشخاص من دون أن تثير الخوف نفسه؟ 60 ألفاً هو عدد الأميركيين الذين قضوا جراء فيروس إنفلونزا نشط على نحو خاص في 2017. ولعل ما يميز فيروس كورونا هو أن الأمر يتعلق بمرض جديد لا يعرف العلماء طرق انتشاره بشكل جيد. ومن هنا يأتي الخوف من الآخر.
وفي زمن العولمة، وتكثف المبادلات وسرعتها، إضافة إلى الأسفار، تتضاعف أخطار الإصابة بالعدوى. غير أن عدد ضحايا الأوبئة خلال السنوات الأخيرة ينبغي أن يبعث على التأمل والتفكير. فإذا كان ثمة نجاح في الحد منها (باستثناء «الإيدز»، الذي تسبب في 32 مليون ضحية منذ 1981)، فإن ذلك إنما تأتى بفضل العمل الذي قامت وتقوم بها «منظمة الصحة العالمية»، من بين آخرين. فالتعاون متعدد الأطراف، في شكله الملموس، ناجح وفعال. وفي هذا الوقت حيث يصح انتقاد المؤسسات الدولية بشكل عام، والأمم المتحدة بشكل خاص، يلاحظ أن «منظمة الصحة العالمية» أدت مهمتها على أحسن وجه. إذ تُظهر إدارة الوباء على الصعيد العالمي أن هذه المنظمة ليست مفيدة فحسب، وإنما ضرورية وأساسية. وبدونها، كانت الحصيلة يمكن أن تكون أكبر بكثير. وبدونها كان «سارس» و«إيبولا» قد قتلا عدداً أكبر من الأشخاص. وهكذا، يتأكد مرة أخرى أن الرد متعدد الأطراف وحده قادر على تحقيق نتائج إزاء تهديد عالمي. ومن المؤسف حقاً أن هذه الملاحظة المقبولة على المستوى الوظيفي والطبي، ليست كذلك على المستوى الاستراتيجي.
كما نتساءل أيضاً إن كان هذا الوباء سيوقف صعود الصين، الذي كان يبدو غير قابل للوقف حتى الآن؟ الواقع أن أولئك الذين يراهنون على مثل هذا الاتجاه سيصابون بخيبة الأمل. ذلك أنه إبان تفشي وباء «سارس»، اعتقد البعض أن الصين لن تتعافى من تبعاته. والحال أنها سجلت تباطؤاً مؤقتاً قبل أن تستأنف وتيرتها السريعة جداً نحو النمو. وفي 2003، كانت الصين تمثّل 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. واليوم باتت تمثل 17% منه. وهذا يعني، من جملة ما يعني، أن أي أزمة صينية ستؤثر على الاقتصاد العالمي كله. والآن، تخشى كل من اليابان والولايات المتحدة أن تكونا أصيبتا بتباطؤ الاقتصاد الصيني. وبالتالي، فإنه حتى البلدان التي لديها علاقات معقدة مع بكين، حتى لا نقول علاقات تنافس، لا تستطيع أن تشعر بالفرح لرؤية الصين في حالة توقف، لأن لذلك تداعيات سلبية مباشرة عليها أيضاً. ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الصين هذه السنة قبل أن يستأنف بسرعة على الأرجح.
وعليه، فبوسعنا القول اليوم إنه عندما تصاب الصين بالبرد، فإن العالم بأسره يعطس.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس