دعونا نبدأ بحقيقتين. الأولى، بلغ حجم الاقتصاد الأميركي 22 تريليون دولار، ما يجعله واحدا من أكبر اقتصادات العالم. والثانية، أن حكومتنا الفيدرالية لا تعمل كما يجب. لا تكاد النقطة الثانية تحتاج إلى دفاع. فعملية إعداد الموازنة معطلة، ويحل محلها مزيج من «القرارات المستمرة». ولم يكن لدينا عجز في الموازنة بهذا الحجم (وهو آخذ في الزيادة) في فترات تتسم بانخفاض معدل البطالة. ثم هناك المساءلة وتدهور مكانة أميركا مع حلفائنا التقليديين. وعلى المستوى الأكثر براجماتية – تسهيل التصويت وفرز الأصوات –من الواضح أن آليات الديمقراطية تعاني مشكلة، وذلك قبل أن نفكر في مجلس «الشيوخ» غير الممثِّل، والمجمع الانتخابي وحقيقة أن رئيسنا المثير للجدل بشكل كبير خسر التصويت الشعبي في عام 2016 بنسبة 2%.
فكيف تتعايش هاتان الحقيقتان؟ لقد بلغت البطالة أدنى مستوياتها في 50 عاما، ونمو الوظائف قوي، والأجور الحقيقية آخذة في الزيادة، وسوق الأوراق المالية مرتفع، والتوسع الذي حطم الرقم القياسي (من حيث المدة، إن لم يكن القوة) في عامه الـ 11، وثقة المستهلك مرتفعة. فكيف نحافظ في الوقت نفسه على اقتصاد «في وضع جيد جدا»، كما وصفه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي، ونظام معطل بهذا الشكل؟ إذا كنت تعتقد أن وجود حكومة ديمقراطية تعمل بشكل جيد هو شرط أساسي لاقتصاد عالي الأداء، فلتفكّر مرة أخرى.
وفيما يلي أسباب لتعايش هذين العاملين. أولاً: المدى القصير يكون أكثر تساهلا من المدى الطويل، حيث تتمتع الاقتصادات الكبيرة بالزخم، ويستغرق الحكم السيئ وقتا لتغييرها بالكامل. وأحد الأسباب هو وجود دورة قوية من النمو: يمثل المستهلكون الأميركيون المولعون بالاقتناء نحو 68% من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا تم توظيفهم جميعا بشكل مربح باستثناء نسبة صغيرة، سيسجل الاقتصاد الكلي نتائج إيجابية على المدى القريب.
وعلى المدى الطويل، مع ذلك، يكون الاستثمار في المستقبل مهما للغاية، والدليل الأخير المثير للقلق يتعلق بالخلل الحالي. فعلى الرغم من خفض ضرائب الشركات، كان الاستثمار التجاري ضعيفا بشكل فريد، حيث انخفض بالقيمة الحقيقية خلال الأرباع الثلاثة الماضية. ومن أسباب ذلك هو حالة عدم اليقين التي أحدثتها الحرب التجارية التي شنها ترامب، وهي سياسة تنطوي على مشاكل كبيرة فشل الكونجرس حتى في منعها، على الرغم من أن الدستور يمنحه السلطة للقيام بذلك. وفي الحقيقة، مثل هذه التخفيضات الضريبية المرتفعة لم تحدث التأثير الذي وعد به المدافعون عنها. ومن ناحية أخرى، فإن فشلنا في معالجة التغير المناخي، وهو ظاهرة ذات تداعيات اقتصادية سلبية ضخمة، يأتي أيضا ضمن هذه الفئة من الفشل في الاستثمار في المستقبل والناجم عن الخلل في الأداء.
ثانياً: مؤشرات الفجوة، صحيح أن سوق الأوراق المالية مرتفع، لكن 56% من قيمة السوق يحتفظ بها أغنى 1% من الأميركيين، مقابل 46% في عام 1990، في حين أن النصف السفلي من الأسر لا تمتلك أي أسهم على الإطلاق. وحقيقي أن الأجور الحقيقية ارتفعت بالنسبة لهؤلاء الذين في الطبقة المتوسطة وحتى بالنسبة لمن هم أقل من ذلك، لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين ما يحصل عليه العمال ذوو الأجور المنخفضة وما يحتاجون إليه. وحقيقي أن معدل البطالة بالنسبة للأميركيين من أصل أفريقي في أدنى مستوياته التاريخية، لكنه لا يزال ضعف معدل البطالة بين البيض (6% مقابل 3.1%).
ثالثاً: الاقتصادات ليست بحاجة إلى ديمقراطية تعمل بشكل سليم كي تنمو، فهناك بالطبع أنظمة غير ديمقراطية، مثل الصين، تحافظ على فترات طويلة من النمو. لكنها لديها عقود مختلفة مع مواطنيها مقارنة بأساليبنا: فنحن نقوم بإدارة النمو وأنت تقبل سيطرتنا. وأحد الأسئلة المخيفة في هذه الدورة الانتخابية هو كم عدد الناخبين الذين سيعتمدون هذه الصفقة الفاوستية (صفقة يضحي فيها الشخص بالقيم الأخلاقية والروحية في مقابل الثروة والسلطة وفوائد أخرى).
ومن ناحية أخرى، فإن الأنظمة التي تعمل جيداً يمكن أن تنعش النمو من خلال التحفيز المالي (وهذا لا ينجح إلا إذا كان البنك المركزي متعاونا أو مفضلاً، بحيث لا يعوض التحفيز). كان هذا هو الحال بالتأكيد في 2018-2019، حيث أدت التخفيضات الضريبية التي قام بها ترامب إلى تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي. بيد أن هذا النشاط تلاشى، ولهذا السبب تسمع أن الإدارة تخطط لتقديم التخفيضات الضريبية القادمة في توقيت الانتخابات.
*كبير المستشارين الاقتصاديين لنائب الرئيس السابق جو بايدن، وزميل ربارز في مركز الموازنة وأولويات السياسة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»