الشعر هو أرقى أنواع الفنون وأعلى مراتب الأدب، ولذلك أطلق عليه نقاد الأدب «ديوان العرب»، لأنه يعبّر عن خلاصة تجارب الأمم، كما أنه موسوعة معرفية تضم بين جنباتها أخبار السير والأعلام الأولين. ويضاف إلى ذلك أن الشعر بمختلف أشكاله يحمل رسالة للمتلقي، ما يجعله منبعاً للكثير من القيم والأخلاق ومادة تربوية مهمة. هذا بخلاف ما يتحقق منه من سجايا أخرى، ومنها تهذيب السلوك، وطلاقة اللسان، وتعزيز الفضائل. وقد قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: «علِموا أولادَكم الشعرَ فإنّهُ يعلّمُهم مكارمَ الأخلاقِ». وقال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تحفّظوا الأشعار، وطالعوا الأخبار، فإن الشعر يدعو إلى مكارم الأخلاق، ويُعلّم محاسن الأعمال، ويبعث على جليل الفعال، ويفتق الفطنة، ويشحذ القريحة، وينهى عن الأخلاق الدنيئة...) وهناك الكثير من القصائد التي تحث على الفضائل، ومنها ما نَظمه زهير بن أبي سلمه في معلقته: وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ... يَكُنْ حَمْدُهُ ذَماً عَلَيْهِ وَيَنْدَم.
وما يميز الشعراء عن غيرهم هو حبهم للمعرفة والاطلاع الدائم ما يشكل لديهم ثقافة واسعة في شتى المجالات. فالشاعر - بخلاف الشخص العادي - لديه القدرة اللغوية على إرسال رسائل للمتلقي حاملاً رسالة فكرية وشاعرية لها وقع كبير على النفس البشرية ولديه القدرة على التأثير في مشاعر المتلقي والتفاعل مع رسالته لما تحمله من قيم جمالية والتي تشحن المتلقي بالقيام أو نبذ فعل ما. وكان من عادات العرب في الجاهلية إذا اشتهر شاعر في قبيلة ما، كانت تأتي القبائل الأخرى وتحتفى به ويقمن الولائم وكأنها ليلة زفاف. كان هناك عجز عن تفسير عبقرية الشعراء حتى نسبت خرافة بأن الجن هم من يقدمون لهم المساعدة الكلامية ذات المعاني العميقة التي يعجز الشخص العادي عن الإتيان بمثلها. حتى تفاخر الشعراء بأسماء «قرنائهم»، فلقب النابغة الذبياني قرينه باسم هادر، وقرين امرئ القيس لافظ، وقرين عبيد بن الأبرص هبيد.
تكمن أهمية الشعر في تعدد أوجه استخدامه وغاياته النفعية. ووظف الشعر في عدة مناسبات في الحروب سواء كان بغرض الحماسة أو الهجاء. كان حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله يهجو المعتدين بالكلمة، حتى قال فيه رسول الله، ما معناه: «اهجوهم وروح القدس تؤيدك». استخدم الشعر كمنبر إعلامي في ساحة سوق عكاظ في العصر الجاهلي حيث كان ملتقى الشعراء ومتذوقي فن الكلمة فكان يحمل هذا السوق قيمة ثقافية ومعرفية عند العرب. وكذلك ساحة سوق مربد بالبصرة، كان مرجعاً لقضايا العرب وأخبارها وتداول فيه القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي راجت في ثنايا المجتمع. كان لكلا الشاعرين جرير والفرزدق دور مهم في ترسيخ عدة قضايا في شعريهما ابتداءً بالدفاع عن قبيلتيهما وانتهاءً بدعمهما للسلطه السياسية، قال جرير في شعره: لولا الخليفة والقرآن يقرؤه، ما قام للناس أحكام ولا جمع. فشعرهما توارث عبر الأجيال حتى وصل إلينا سجل حافل بأخبار الأمم السابقة. وكذلك تم توظيف الشعر في الاقتصاد كنوع من أنواع الترويج لبيع السلع.
الشعر يعمل على تهذيب النفس البشرية وإصلاحها والارتقاء بها، فالكثير من الأبيات الشعريّة أصبحت مثالاً وحكماً وعبراً تستخدم ضمن أحاديثنا اليومية، وما يجعل الشعر يصنف من أرقى أنواع الفنون أنه يحمل قيماً أخلاقية، فأصبح له دور تربوي ملحوظ.
*أستاذ مساعد بأكاديمية الإمارات الدبلوماسية.