قدّمت وزيرة المالية الهندية «نيرمالا سيتا رامان» الميزانية الفيدرالية السنوية لهذا العام، في وقت تتنامى فيه المخاوف بشأن الوضع الاقتصادي للهند وإمكانية تباطؤ للنمو يؤثر في النمو العالمي.
الميزانية، التي عرضت على البرلمان الهندي هذا الأسبوع، كانت تهدف بوضوح إلى رفع القدرة الشرائية من أجل إعطاء دفعة للاستهلاك. وقد شملت تخصيص الحكومة لـ1.7 تريليون روبية للبنى التحتية للنقل مثل إنشاء الطرق السريعة، وتخصيص 2.83 تريليون روبية للقطاعات الريفية، مع وعد بمضاعفة مداخيل المزارعين بحلول 2025.
وبالنسبة للهنود من الطبقتين المتوسطة والعاملة، تم إدخال ضريبة جديدة اعتباراً من هذا العام، إذ تم الإعلان عن فئات جبائية مختلفة على الدخل الشخصي، تبدأ من 10 في المئة على المداخيل السنوية التي تعادل 10 آلاف دولار، إلى 30 في المئة على المداخيل السنوية التي تعادل 20 ألف دولار وأكثر. وقالت الحكومة في ميزانيتها إنها تركز على الإنفاق الرأسمالي، ولاسيما على البنى التحتية والمزارعين، وعلى تبسيط القوانين الضريبية بالنسبة للمستثمرين.
غير أنه من غير الواضح ما إن كانت الميزانية ستمنح في نهاية المطاف دفعة للاقتصاد الآخذ في التراجع. فحالياً، يواجه البلد أسوأ تباطؤ اقتصادي له منذ عقد من الزمن؛ إذ انخفض النمو إلى أقل من 4.5 في المئة خلال الربع الثالث (من يوليو إلى ديسمبر الماضي). وفضلاً عن ذلك، فإن البطالة آخذة في الارتفاع مع تواتر تقارير تفيد بتقليص عدد من الشركات لعدد عمالها، وفشل العاملين بأجر يومي في الحصول على عمل ثابت، وتخبط الشركات الصغيرة والمتوسطة في المشاكل.
البيانات الحكومية التي أفرج عنها في مايو الماضي، أظهرت أن البطالة ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ 45 عاماً: 6.1 في المئة في 2017-2018. ووفق شركة «نيلسون» لأبحاث السوق، فإن تضعضع الاقتصاد الهندي يعزى إلى تباطؤ في إنفاق الأسر الذي يشكّل قرابة ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للهند. أما التباطؤ الريفي، فيعزى بشكل رئيسي إلى المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل تباطؤ إنتاج المناطق الريفية، وتقلص الإنفاق الحكومي، وكذلك سقوط الأمطار في غير أوقاتها، ما أثّر سلباً على المحاصيل في الأسواق بمناطق شمال الهند.
غير أن الميزانية فشلت في إنعاش أسواق الأسهم؛ حيث عبّر محللون عن شكوك بشأن ما إن كانت ستساعد على تغيير حال الاقتصاد. ويشار هنا إلى أن مؤشر «سينسيكس» انخفض بـ2 في المئة في اليوم نفسه الذي قدمت فيه الميزانية. ولكن الوزيرة الهندية أكدت على أن التأثير الكامل للميزانية سيكون محسوساً في غضون أسبوع. وزيرة المالية، التي كان خطابها أطول عرض ميزانية في السنوات الأخيرة، تحاشت أي إعلانات مثيرة.
وإذا كانت الوزيرة الهندية قد أعلنت أن الميزانية تتمحور حول 3 موضوعات رئيسية تشمل «رفع الهند الطموحة لمستوى المعيشة؛ والتنمية الاقتصادية للجميع؛ وإنشاء مجتمع متضامن وإنساني»، فإنها اعترفت أيضاً – نوعاً ما - بأن الاقتصاد الهندي يتخبط في مشاكل. وكانت الوزيرة قد حدّت أيضاً من هامش المناورة بسبب الضغوط المالية، ذلك أن العجز المالي للسنة المالية الماضية بلغ 3.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تشير التوقعات إلى أنه سيبلغ هذه السنة (2020-2021) 3.5 في المئة أو أقل.

وبالنظر إلى أن الهند تعيش تباطؤاً اقتصادياً، فإن البلاد تحتاج بكل تأكيد إلى ميزانية أكثر جرأة. والواقع أن هناك عدداً من المخططات التي أُعلن عنها ضمن الميزانية، والتي تشمل أيضاً أجندة عمل تتألف من 16 نقطة للزراعة، ووعوداً بمزيد من التركيز على التعليم والمهارات، و«خط أنابيب البنى التحتية الوطنية». غير أن الميزانية تشمل محاولة أخرى لضخ المال في مجالات مختلفة من القطاع الزراعي من أجل دعم خلق الوظائف. وإلى جانب تباطؤ الاقتصاد، تواجه البلاد أيضاً مشكلة بطالة ضخمة. فوفق «مركز مراقبة الاقتصاد الهندي»، فإن معدل البطالة في الهند بلغ 8.4 في المئة في أغسطس 2019، وهو ما يمثل ارتفاعاً من 7.6 في المئة في يوليو من السنة نفسها.
أسباب البطالة تشمل تراجع الاستثمارات في البلاد، وتباطؤ القطاع الصناعي، وخاصة في القطاعات المشغِّلة لأعداد كبيرة من الأيدي العاملة مثل صناعة السيارات، وقطاعات البنية التحتية مثل البناء. وعلاوة على ذلك، انخفضت استثمارات شركات القطاعين العام والخاص إلى أدنى مستوى لها منذ 15 عاماً، خلال الربع الذي انتهى في يونيو 2019، وفق «مركز مراقبة الاقتصاد الهندي»، بينما هوى نمو القطاع الصناعي إلى 0.6 في المئة في الفصل المنتهي في يونيو 2019. والجدير ذكره هنا أنه في الهند يبحث ما بين 10 ملايين إلى 12 مليون باحث عن العمل عن وظيفة كل سنة.
وعليه، فمن الواضح أن أمام الحكومة تحديات كثيرة؛ وهذه الميزانية قد لا تكون الحل الذي تقول الحكومة إنها تمثله. ثم إن تباطؤ الاقتصاد الهندي له تأثير على الاقتصاد العالمي؛ ومن الواضح أن الحكومة، التي تتمتع بتفويض شعبي كبير، في حاجة إلى اتخاذ إجراءات فعالة من أجل تحفيز النمو الاقتصادي.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي