اقتربت محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من نهايتها، بعد أن رفض 51 من أصل 53 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ، الذي تجرى هذه المحاكمة أمامه، استدعاء شهود جدد، وأنهى هذا الاقتراع مخاوف ترامب وأنصاره من أن يؤدي إدلاء مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون بشهادته إلى تغيير في مسار المحاكمة، بعد أن تضمنت مقاطع مسربة من كتاب يعتزم نشره، ما يدعم الرواية القائلة إن ترامب ربط مواصلة تقديم دعم عسكري لأوكرانيا بفتح تحقيق قضائي مع نجل المرشح المحتمل أن ينافسه في انتخابات نوفمبر المقبل جو بايدن. وقد عول خصوم ترامب على هذه الرواية في إحدى التهمتين الموجهتين ضده، وهي إساءة استغلال سلطته.
وأصبح متوقعاً أن تقترع الأغلبية في مجلس الشيوخ، الذي انعقد في شكل هيئة محلفين منذ 21 يناير الماضي، لمصلحة تبرئة ترامب، لينطق رئيس المحكمة العليا الذي يرأس المحاكمة بالحكم، بناءً على هذا الاقتراع. غير أن انتهاء المحاكمة لن يضع حداً لجدل قد يؤثر في نتيجة انتخابات نوفمبر الرئاسية، حول مدى سلامة الإجراءات، وإلى أي مدى تحققت فيها النزاهة والعدالة.
لقد تصرف ترامب طول الوقت بطريقة تدل على اعتقاده بأن مشاهدة الناخبين وقائع المحاكمة المنقولة على الهواء مباشرةً، لن تُضعف مركزه في الانتخابات التي بدأ العد التنازلي لها، والأرجح أنه يراهن على أثر الترصد الواضح في سلوك خصومه تجاهه منذ إعلان نتيجة انتخابات 2016 الرئاسية، وحتى قبل دخوله البيت الأبيض في 20 يناير 2017. فلم يتعرض رئيس أميركي لمثل الهجوم الذي لم يتوقف يوماً ضده على مدى أكثر من ثلاثة أعوام. وعندما يكون الهجوم مستمراً ومتصاعداً بمناسبة، وبدونها، يُرجح أن يقل الأثر المبتغى من ورائه، لأن من يشنونه قد يفقدون شيئاً من صدقيتهم في أوساط الرأي العام.
ومع ذلك، كان بإمكان ترامب جعل المحاكمة فرصة لتعزيز مركزه الانتخابي، ويذهب إلى مدى أبعد من مجرد تجنب أثرها السلبي عليه، في حالة اعتماد إجراءات محاكمة أكثر تجرداً وعدالة من تلك التي فرضتها الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ. فقد عمد زعيم هذه الأغلبية ميتش ماكونيل إلى تكثيف إجراءات المحاكمة، سعياً إلى تقصير أمدها وبالتالي عدم إعطاء فريق الادعاء والديمقراطيين في المجلس فرصة كافية، سواء في عرض الدفوع، أو السعي إلى أدلة جديدة.
ولم يكن ترامب، وأنصاره بوجه عام، في حاجة إلى فرض إجراءات مشددة على هذا النحو، ليس فقط لأن نتيجة المحاكمة معروفة سلفاً على الأرجح بسبب ميزان القوى الحزبي في داخل مجلس الشيوخ، ولكن لأنه لا يعاني ضعفاً ظاهراً في موقفه القانوني أيضاً من زاوية أن الخطأ الذي ارتكبه لا يوجب عزله. قد لا يكون هذا الموقف قوياً بما يكفي في ذاته. لكن المعطيات التي أحاطت القضية، وخاصة ممارسات الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، تُقوِّي موقفه.
والحال أن إضفاء طابع حزبي كامل على إجراءات المحاكمة يؤدي إلى حرمان ترامب من تسجيل نقطة في مصلحته بسبب اختلاط ترتيباتها القانونية بالانتماءات السياسية، فقد كان بإمكانه إعادة المحاكمة إلى المسار الدستوري الصحيح، الذي كان خصومه «الديمقراطيون» هم من بدؤوا انتهاكه اعتماداً على أغلبيتهم في مجلس النواب.
وليس واضحاً بعد ما إذا كانت مراجعة «الجمهوريين» موقفهم المتشدد بشأن إجراءات المحاكمة، وتعديل بعض الإجراءات التي فرضوها في البداية، يمكن أن تُظهر أنصار ترامب في صورة أكثر تسامحاً من الديمقراطيين. فقد قبلوا إدراج أدلة مجلسي النواب في سجل المحاكمة، والاقتراع على جلب بعض الشهود الجدد عقب انتهاء فريقي الادعاء والدفاع وتسجيل الأسئلة المكتوبة. كما تم تمديد الفترة المحددة لفريق الادعاء لتقديم دفوعه من يومين إلى ثلاثة. وربما أتاح هذا التعديل لعدد أكبر نسبياً من الأميركيين متابعة دفوع فريق الادعاء خلال بثها على الهواء، رغم أن عدد المتابعين بقي أقل من المتوقع، إذ تفيد إحصاءات معدلات مشاهدة المحطات الست الرئيسة أنها تراوحت بين 8.9 مليون و11 مليوناً فقط في الأيام الأولى التي تحدث فيها فريق الادعاء.
وهكذا، لن يكون ترامب خاسراً على المستوى الانتخابي في هذه المحاكمة، لكن كان بإمكانه الخروج منها رابحاً، عبر تقديم صورة لرئيس يحترم القواعد القانونية، حتى وإن انتهكها خصومه.