حكومة لبنان الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب، هي أكثر الحكومات التي أطلقت عليها صفات متعددة ومتنوعة ومواكبة للتطورات المحلية والإقليمية والدولية، منها حكومة «تكنوسياسية»، حكومة اختصاصيين، حكومة «التكنومحاصصة»، حكومة «اللون الواحد»، حكومة «حزب الله وحلفائه». ولكن وزير المالية الدكتور غازي وزني أطلق عليها «حكومة طواريْ»، وهو يعتبر أن إعلان حالة طوارئ اقتصادية بات ضرورة ملحة، لمكافحة الفساد، ومعالجة الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية.
في عام 2018، ولأول مرة منذ عقود، سجل الناتج المحلي الإجمالي انكماشاً 1.9 %، وبلغ 54.9 مليار دولار، مع تضخم في أسعار السوق، ما ساهم بتوسيع الخلل بين شرائح المجتمع، واعتُبر بداية انهيار النموذج الاقتصادي، خصوصاً أن القيادة السياسية لم تستجب للإصلاحات التي أقرها مؤتمر «سيدر» في أبريل من العام نفسه في باريس، كشرط للحصول على نحو 11.6 مليار دولار. وبعد المؤتمر، بذلت فرنسا عبر موفدها الرئاسي «بيار دوكان»، جهوداً مضنية لإقناع السلطة في بيروت بالتزام الحد الأدنى من الإصلاحات لتحصيل المساعدات، لكن شيئاً لم يتحقق، واستمر السياسيون في المماطلة حتى موازنة العام الماضي التي غاب عنها الإصلاح بذريعة أن الوقت لم يسمح، مع وعد بالالتزام في موازنة 2020. ولكن لبنان كان قد دخل في الانهيار، وأصبحت مساعدات «سيدر» لا تكفي، وزادت الحاجة إلى أكثر من 20 مليار دولار.
الاثنين الماضي وبسرعة «صاروخية» غير مسبوقة، أقر مجلس النواب موازنة العام الحالي بعجز قياسي كبير، إذ بلغت النفقات مع سلفة مليار دولار لعجز الكهرباء، نحو 13.1 مليار دولار، مقابل 8.9 مليار للإيرادات، فيكون العجز 4.2 مليار دولار، ونسبته 7% إلى الناتج المحلي، بينما كان المشروع الأساسي يتضمن خفضاً إلى 0.6%، مقابل 7.6% في موازنة 2019، ولوحظ أن الإيرادات تراجعت 40% في الأشهر الأخيرة، كذلك ارتفعت خدمة الدين إلى 6 مليارات، تمثل 46% من الموازنة، وتواجه الحكومة مشكلة استحقاق قسط لـ«اليوروبوند» بقيمة 1.3 مليار دولار في 9 مارس المقبل، ما طرح موضوع إعادة هيكلة الدين العام بكامله. ولكن المشكلة الأخطر في تقدير الإيرادات مع مبلغ 5000 مليار ليرة، تم التفاهم على توفيرها من القطاع المصرفي، وفي حال لم يتم الالتزام بها، سيتضاعف العجز المالي إلى 8 مليارات دولار. هل تستطيع الحكومة توفير المليارات من المساعدات والقروض الخارجية ؟.. الرئيس «دياب» الآتي من الجامعة الأميركية يجتهد مع وزرائه التكنوقراط، لتسويق حكومتهم في الأوساط العربية والدولية، على أنها حكومة «مستقلة سياسياً»، ولكن هل تستطيع أن تتحرر من هيمنة «حزب الله» وحلفائه من أحزاب السلطة؟
الجواب يأتي من مجموعة الدعم الدولية التي أكدت «أن المحافظة على استقرار لبنان ووحدته وأمنه وسيادته واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه، تتطلب حكومة فاعلة وذات صدقية، وقادرة على تنفيذ إصلاحات تستجيب لتطلعات اللبنانيين، وملتزمة بسياسة النأي بالنفس عن التوترات والأزمات الإقليمية». وربطت تقديم المساعدات المالية العربية والدولية بتحقيق ذلك. وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على ضرورة تنفيذ إجراءات «سيادة الاقتصاد» بتخفيف التبعية للخارج، والتحول من الاقتصاد «الريعي» إلى الاقتصاد «المنتج» بالاعتماد على المصادر الذاتية للدخل والاستهلاك، والتخفيض التدريجي لعجز الميزان التجاري بخفض الاستيراد وزيادة التصدير.
*كاتب لبناني