في هذه الأيام هناك مرض يجتاح الصين، عرفه العلماء باسم coronavirus فيروس كورونا، مجموعة من الفيروسات التي تسبب أمراضاً للثدييات والطيور تشمل الإسهال في الأبقار والخنازير، وأمراض الجهاز التنفسي في الدجاج. أما في البشر، فيسبب الفيروس التهابات الجهاز التنفسي التي غالباً ما تكون متوسطة، ولكنها قد تكون في بعض الأحيان قاتلة، وقد بلغت حالات الوفاة بسبب فيروس كورونا الجديد إلى 54 حالة في الصين وحدها. ولا توجد حتى اللحظة، بحسب منظمة الصحة العالمية، أية لقاحات أو أدوية مضادة للفيروسات تمت الموافقة عليها للوقاية أو العلاج.
عبر تاريخ الإنسانية، وفي كل الأديان السماوية وغير السماوية أيضاً، هناك نزعة لدى البشر في أن يتخيلوا أحياناً أي مرض جديد على أنه أشبه بعقوبة إلهية.
أليست الأصوات التي تشمت بالصين اليوم هي نفسها التي شككت في تقارير منظمة الصحة العالمية وشككت في جدوى التطعيمات وفي وجود الأمراض من الأساس؟ ألم يكونوا يقولون بأن شركات الأدوية الكبرى تخترع في كل عام مرضاً جديداً لكي تبيع منتجاتها، وما إلى ذلك من هذا التهور؟! لا جواب، هي هكذا وانتهى. بطبيعة الحال، ليس لدى الصين وقت تضيعه في مثل هذه النقاشات، بل انتقلت منذ إعلانها عن الحالات المرضية، إلى اتخاذ التدابير العملية المذهلة في نشاطها ودقتها واتساعها لاحتواء المشكلة.
هذه القصة ذكرتني بحادثة مشهورة جداً في تاريخ الفلسفة، إلا وهي حادثة «زلزال لشبونة» الذي وقع في 1 نوفمبر 1755. يوصف زلزال لشبونة بأنه من أكثر الزلازل فتكاً وتدميراً في تاريخ الإنسانية كله، فقد قتل ستين ألفاً إلى مائة ألف إنسان. لماذا كانت هذه القصة ذات قيمة في كتب تاريخ الفلسفة، ولماذا نتذكرها اليوم؟ لأنه الحادثة أتت بنتائج مناقضة تماماً لدعوى العقوبة الإلهية التي نسمع بها اليوم، فقد أدت الكارثة إلى التشكك والإلحاد في القارة الأوروبية كلها. لقد هدم الزلزال تصور الأوربيين لمفهوم العناية الإلهية، وأحدث تأثير قوياً على اللاهوتيين في ذلك الوقت وعلى فولتير الفيلسوف المشهور، الذي شعر بخيبة أمل عميقة بسبب الكارثة، فألف روايته المشهورة «كانديد» كردة فعل عليها، وهي منظومة فلسفية يقرر فيها أنه لا ينبغي أن تقع مثل هذه الكوارث. تلك الرواية الغاضبة المتشائمة كان لها أعمق التأثير على مذهب التفاؤل الذي أسسه الفيلسوف الألماني «غوتفريد لايبنتز» بناء على مبدأ «العدالة الإلهية» (theodicy) التي تقول إن كل شيء سيسير دائماً نحو الأفضل، ويزيد «لايبنتز» أن «هذا العالم الذي نعيش فيه هو أفضل عالم ممكن». في «كانديد» و«قصيدة عن كوارث لشبونة» هاجم فولتير هذا الاعتقاد المتفائل، واصفاً الكارثة - بسخرية - على أنها واحدة من أفظع الكوارث «في أفضل العوالم الممكنة»، رغم أن «فولتير» لم يكن ملحداً، بل كان مؤمناً ربوبياً، ومنافحاً شرساً عن الحرية الدينية.
ما أريد قوله هنا، إن هذه الأحداث الطبيعية التي يقال لها «الكوارث» حدثت وستظل تحدث، وليس هناك ما يؤكد لنا بيقين أنها عقوبة إلهية، وفي الوقت ذاته، ليس فيها ما يدعو للشك في وجود الله. المزاج الإنساني العام هو ما يدعو الإنسان إلى النظر إليها من زاويتي النظر المختلفتين هاتين.
بعد فولتير، استمر فلاسفة عصر التنوير الأوروبي في مناقشة ما حدث في «زلزال لشبونة» على نطاق واسع بحيث أدى ذلك إلى تطورات رئيسة في الفلسفة الدينية. وباعتباره أول زلزال تدرس آثاره علمياً على مساحات كبيرة، صارت الواقعة فاتحة لعلم الزلازل الحديث (seismology)، أو بعبارة أخرى، صارت النهاية إيجابية وتدعو للتفاؤل.