الارتفاعات قد تساعد المرء على أن يكون أكثر معرفة بسكان الأرض المنبسطة، وهم الأغلب على الكوكب، لكن ليست بالضرورة تؤهله لإيجاد حلولٍ ناجعة لمشكلاتهم في الراهن والمستقبل، لذلك فإن مهمة الحلول أنيطت بمنتدى دافوس: فهذه المدينة الجبلية السويسرية ترتفع إلى ما يقرب من 1560 قدماً فوق سطح البحر، ومنذ أن عَقدت فيها منظمة المنتدى الاقتصادي العالمي التي أرادها مؤسسها (كلاوس شواب) أن تكون مساحة لتلاقي النخبة (= الساسة ورجال الأعمال ومندوبي الشركات الكبرى متعددة الجنسيات) لدراسة مشكلات العالم الراهنة ومواجهة تحديات مستقبل البشرية.. منذ الاجتماع الأول لها عام 1971م وحتى الدورات الأخيرة (49,48,47) والتقارير الصحفية والاقتصادية كلها تأخذ على منتدى دافوس بأن إنجازاته على صعيد حل مشكلات العالم السياسية والاقتصادية، قليلة، وتكاد لا تذكر إذا ما قورنت بسمعته الذائعة ونوعية الشخصيات المهمة التي تشكل نواته، باستثناء بعض اللقاءات السياسية التي أثمرت وحال بعضها دون وقوع حروب بين طرفين أو أكثر، بل أنصف بعضها دافوس، وذهب إلى أنه اهتم بالملاحظات النقدية البناءة من أجل مسيرة تبعث الأمل، بحيث انتبه إلى المسألة المتعلقة بالأداء، فعدّل من آلياته بحيث صار التركيز على الخواتيم المفيدة، نتائج ملموسة لها صدى في المجتمعات البشرية، أكثر من اهتمامه بمسألة جدول مناقشات الجلسات (= 400 جلسة في 3 أيام).
مؤتمر دافوس في الحقيقة يشكل اليوم، ليس فقط منصة للساسة ورجال الأعمال والشركات الكبرى العابرة للقوميات، بل سوقاً بضاعتها الأفكار والمبادرات الخلاّقة، سواء الجاهزة للتنفيذ أو تلك القابلة للتطوير، بحيث تلبي حاجة وخصوصية الدول ومجتمعاتها وفقاً لنهجها التنموي، لذلك، فإن الرابح في هكذا سوق نوعيّة كدافوس، هو الذي يستطيع بفطنة عالية التفاعل الإيجابي والتقاط الأفكار والعمل على تثويرها، لإكسابها صلاحية أكثر وإفادة، ولتصبح بعد تنفيذها منجزاً مدوياً بنتائجه على مستوى المنطقة والعالم. السؤال المهم: ماذا فعلت الإمارات في دافوس بنسخته الخمسين؟ إن دولة الإمارات لم تعدّ اليوم عضواً عادياً كبقية الأعضاء في دافوس، بل أصبحت أحد الشركاء الاستراتيجيين المهمين في هذا المنتدى العالمي والنوعي، سواء بالمشاركين فيه، أو على مستوى الأفكار والمبادرات المهمة المطروحة فيه: في النسخة الخمسين لدافوس، استطاعت الإمارات وكعادتها، التقاط أفكار ومبادرات مميزة قيمة عالية جداً في مجالها، ساعدها على ذلك طريقة تفكيرها وحرصها على التقدم الذي يعتمد في جانب منه على مدى نجاح خطتها الداخلية للتنميّة المستقبلية، المتضمنة لمشروعات كانت قد بدأت بها من قبل، من بينها أقله مشروعان مهمان: الأول مركز الثورة الصناعية الرابعة، والثاني معرض إكسبو 2020: مركز الثورة الصناعية الرابعة - وهو الأول في المنطقة والخامس عالمياً - يحتاج إلى تنمية مستمرة ورفد دائم لمواكبة مستجدات تقنية العصر واحتياجات المستقبل المتسارعة، ومن بينها كل ما له علاقة باقتصاد المعرفة المعوّل عليه أن يحدث انعطافة نوعية في اقتصاد الإمارات في المستقبل، بحيث يصبح هو المصدر الأول بين المصادر الاقتصادية الأخرى، وألاَّ يبقى النفط هو عصب الاقتصاد الرئيسي.
أما إكسبو المزمع افتتاحه في العشرين من أكتوبر المقبل، بحضور كافة دول العالم ولفترة ستة شهور متتالية - فضلاً عن الزائرين المتوقع أعدادهم بعشرات الملايين- كونه يشكل منصة عالمية لأفكار المستقبل الأحدث والأكثر تطوراً مقارنة بالحاضر الراهن (= استشراف معالم ما ستكون عليه حياتنا البشرية بعد قليل من العقود). ترى، ما تلك المشروعات التي انتقتها دولة الإمارات؟ هي 3 قطاعات تكنولوجية رئيسية: (الطب الدقيق)، الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي، والثالث التعاملات الرقمية - (بلوك تشين). لكن وبالأهمية ذاتها، نجحت في استضافة أعمال اجتماعات (مجالس المستقبل العالمية) ولمدة خمس سنوات متتالية، وذلك بدءاً من نوفمبر المقبل، تزامناً مع حدث إكسبو. مقطع القول: إن التفكير اليوم بالشعوب والأوطان، تنميةً وتطويراً، أصبح في الإمارات عِلماً وحكمةً.