في اليوم المئة من انطلاق الانتفاضة اللبنانية، ظهرت افتراقات وانقسامات على سطح مجمل الأطراق الثورية ونقائضها، والحكومية أيضاً، وعزلتها الاقتصادية، وعوارضها المتهافتة، كل ظاهرة وما يليها بدت إما إزاء تحديات الانزلاق، أو إلى منزلة الغموض، أو حتى إلى منسوب تغيير أسلوب التعاطي والمواجهة والأهداف، فالانتفاضة بدأت تشوبها أزمة وسائلها النضالية السلمية، والاختراقات والاندساسات لتحريفها عن وجهتها السلمية إلى العنف، كل ذلك ليس جديداً في عمر الانتفاضة: فالعنف السلطوي وأدواته تصدت بالسكاكين والعُصي على المتظاهرين، لتفرقهم وتحرق خيمهم وتزرع فيهم الرعب: لغة الميليشيات التي وصلت تهافتاتها إلى الأحياء السكنية في بيروت، تحت شعارات مذهبية، وبأساليب وحشية في تعديها على الممتلكات العامة، فأعداء الانتفاضة حاولوا، (وهم من جبلة وتصنيع محور الممانعة)، وضع حد لهذه الظاهرة الشعبية الجديدة عابرة الطوائف والمذاهب جامعة مئات الألوف، ساعدهم على ذلك بروز ازدواجية في التعامل الأمني والعسكري: فبدل احتجاز المعتدين قبض على المعتدَى عليهم في صور وكفرمان والنبطية وساحة الشهداء وجبل الديب.
لكن اليوم، كأن الانتفاضة تُضرب من بيت أبيها على الأقل شكلياً، بل كأن الفوارق زالت بين المنتفضين والمندسين في الانتقال من التظاهرات السلمية إلى موجات عنف همجية، بدأت عملياً في اعتداء هؤلاء على المصارف، ووضع حاكم مصرف لبنان وكأنه المسؤول عن كل هذه الانهيارات، ووقوع صدامات مع قوى الأمن (لماذا احجموا عن إنزال الجيش وهذا سؤال كبير)، تصاعد هذا التغيير الجذري في مفهوم التعارض مع الحكومة المكلفة أو مع الشرعيات السائدة، من خلال استباحة وسط بيروت، وتحطيم الزجاج والمقاهي والمطاعم ومحال المجوهرات والسيارات، وتصعيد التوتر مع قوى الأمن: توحي كلها محاولة إثارة فتنة مذهبية بين السُنة والشيعة، ببث أخبار مفادها أن هؤلاء المهاجمين، نُقلوا من طرابلس وعكار إلى بيروت، فتنة مذهبية هذه المرة من قلب الانتفاضة اللامذهبية، فتنة مذهبية تشوه نقاء الحراك على امتداد مئة يوم، وتدفن مطالبه لإسقاط السلطة الفاسدة.
ومن الطبيعي أن تعمد وسائل إعلامية موالية لهذه السلطة، إلى اتهام الحريري بهذه التوترات، وكذلك الحراك لنزع كل الألغام والعقبات أمام حكومة اللون الواحد، وطمس كل معارضة محتملة لها، هنا نظن أن وراء كل هذه الأكمات ما وراءها: إنها سطوح القمع الظاهرة البينة، التي من المحتمل جداً أن تُخفي في باطنها، ما يمس جوهر النظام اللبناني القائم على حرية التعبير، والديمقراطية والمعارضة... أي تركيب نظام أمني عسكري ميليشياوي بغطاء رئاسي وحكومي وحزبي، وإلغاء المواد القانونية المتعلقة بهذه الحريات، أجديد هذا؟ لا! يوجد الثنائي (العوني- حزب الله)، فالنظام الرئاسي الأمني المقنع أو السافر، هو آخر الضمانات للنفوذ الإيراني في لبنان، والعمل جارٍ عليه من خلال أعمال التخريب، ومواجهة القوى الأمنية مرحلة أولى: والذريعة جاهزة إثارة الفوضى لقمعها، وإثارة الفتنة لإطفائها، بهدف استعادة عافية لبنان الاقتصادية.
من هنا نطالب الانتفاضيين بالتخلي عن العنف، لأنه سينهي حلمهم وحلم مئات ألوف اللبنانيين، بل نطالبهم ببلورة أولوياتهم، وتنظيف صفوفهم من المندسين، لبنان على منعطفات خطرة، فحذارِ أيها الحراكيون.