إن «المشكلة تكمن في عدم وجود شيء اسمه الولاء للعراق، في حين يجب أن يكون العراق جامعاً لكل المكونات»، عبارة قالها نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، خلال مشاركته في جلسة حوارية، ضمن أعمال «منتدى دافوس» الاقتصادي، وهي عبارة شخصت ولخصت الأزمة التي يواجهها العراق منذ عام 2003، فاليوم تتجاذب الساحةَ العراقيةَ الحساباتُ الطائفيةُ والصفقاتُ الاقتصاديةُ، حيث تسبب نظام المحاصصة في إخفاق مؤسسات الدولة العراقية، وأصبح العراق ساحةً مفتوحةً للصراع والتجاذب بين واشنطن وطهران، وباتت المحصلة انتشار الفساد وتردي الخدمات وانهيار البنى التحتية للبلاد، واشتعال فتيل المظاهرات في غالبية المدن العراقية منذ أكتوبر 2019، مما اضطر حكومة عادل عبدالمهدي للاستقالة في ديسمبر 2019، لتصبح حكومة تصريف أعمال، وكان اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، مع أحد قادة ميليشيا «الحشد الشعبي»، في غارة بطائرة مسيرة أميركية، قرب مطار بغداد، نقطة تحول في المشهد العراقي، إذ أعلنت الفصائل الشيعية جاهزيتها لبدء المقاومة المسلّحة ضد القوات الأميركية، فيما يواجه العراق أزمة اختيار رئيس للوزراء، وسط تجاذبات سياسية تتفاوت فيها مطالب المتظاهرين، وتوجهات الكتل والقوى السياسية والأجندات الإقليمية المتضاربة.
لقد تبلور على الساحة العراقية مشروعان؛ مشروع وطني غير واضح المعالم، تقوده حركة الاحتجاجات الشبابية الساعية لتأسيس دولة مؤسسات قائمة على مبدأ المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات، بعيداً عن نظام المحاصصة الذي تأسس منذ 2003، ومشروع آخر يدعو لمظاهرات مليونية، توحد المكونات الشيعية لطرد القوات الأجنبية من العراق، وقد تزعمه مقتدى الصدر، الذي دعا في تغريدة له، على تويتر، «إلى ثورة عراقية لا شرقية ولا غربية.. تندد بالوجود الأميركي»، ويستند الصدر في مشروعه إلى ثقله الديني والسياسي وأذرعه العسكرية.
لقد كانت القوى الشيعية، بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، لذلك بدأت تعيش مرحلتها الذهبية في العراق، لكن استحواذ هذه القوى على العملية السياسية، بدعم أميركي وإيراني، لم يمنع بعضها من التلويح بالسلاح في وجه القوات الأميركية، وكان أبرز الملوحين الشيعية بالسلاح التيار الصدري والفصائل التابعة له كـ«عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء» و«كتائب الإمام علي»، لكن الصدر غيّر مساره، وشارك في العملية السياسية عام 2010، وفاز تياره بـ40 مقعداً في البرلمان من أصل 325، بعد ذلك، شاركت العصائب عام 2014 في الانتخابات النيابية، وحصلت على مقعد، ثم على 15 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، لكنها لم تترك السلاح.
لقد بقيت القوى الشيعية العراقية، طيلة 17 عاماً، تتأرجح حسب مصالحها بين واشنطن وطهران، حتى أقدمت واشنطن في الأول من يناير 2020 على اغتيال سليماني، ومن هنا كان التحول في موقف الصدر، أحد المتغيرات المؤثرة في المشهد السياسي العراقي.
وعوداً على سؤال الولاء، فقد أثبتت التطورات فشل تجربة دعم الإسلام السياسي الشيعي في العراق، رغم أن الدعم الأميركي أدى إلى تصدر الشيعة للمشهد السياسي هناك، حيث تواجه واشنطن اليوم مشهداً عراقياً مختلفاً، وهي تقف في مواجهة أغلب القوى السياسية الشيعية التي دعمتها سابقاً، والتي تطالب اليوم برحيلها، خدمة لأجندة الحليف الآخر (إيران) لا الأجندة الوطنية العراقية، مما سيضطر واشنطن لإعادة تقييم تحالفاتها، فيبقى السؤال مطرحاً على النخبة السياسية العراقية: أين المصلحة الوطنية العراقية؟

*كاتبة إماراتية